أول ما تعرفت على الكاتب إريك فروم، وهو قامة ألمانية كبيرة، ولا يزال، عبر آثاره الفكرية التي خلفها لنا، قرأت له أحد كتبه، لفتني عنوانه من أول نظرة «الهروب من الحرية»، فاقتنيته وقرأته.

حظي هذا الكتاب بترجمة إلى لغات العالم، ومن بينها العربية، وخلال تلك التراجم تحوّر العنوان ليأتي بصيغ مختلفة، ففي الترجمة العربية على سبيل المثال استبدلت في العنوان أعلاه، كلمة «الهروب» بكلمة الخوف، ليصبح «الخوف من الحرية».

والشيء ذاته على ما أظن وقع للعنوان في التراجم الأخرى، لكن العناوين على أهميتها لا تغير في المضمون شيئاً، هي تستخدم لأغراض التسويق، وجذب القارئ الجاد. إن البعض - وأنا منهم - يتبع العنوان حتى آخر صفحة في المضمون.

فكرة الكتاب تتحدث عمن يكره الحرية أو يخافها، فيتهمه الكاتب إريك بالجهل، إذ لو كان متعلماً أو حكيماً لما كره الحرية أو خشي منها. ويضرب على ذلك مثلاً، أخذه من معايشته للقبائل، التي أخضعها لبحوثه الإنثروبولوجية، وتخصصه في علم النفس التحليلي.

كتب يقول: «قبيلة بدائية تعيش في أفريقيا أو في غابات الأمازون، أحد أفرادها يتمرد عليها بأسلوب غير مألوف، واقترف ذلك نهاراً جهاراً، فباء بغضبها وناصبته العداء، ثم طردته خارجها، لتضعه أمام خيارين:

إما أن يسلك درباً إلى الصحراء حيث المجاهيل، وإما أن يدخل إلى إحدى غابات الأمازون المطيرة، لكنه ما إن ابتعد قليلاً عن موقع قبيلته، حتى فاجأه البرق بسناه الخاطف، والرعد بصوته المجلجل، فاهتزت الأرض من حوله، عندها شعر بالخوف في نفسه، فاعتقد أن لمعة البرق تلك، واصطفاق الرعد على هذا النحو المدوي ليسا سوى غضب القبيلة وآلهتها عليه، فتباطأت خطاه في المسير.

فكّر، ثم دبّر فتردد، وبعد أن تلفت يمنة ويسرة، وإلى الخلف تارة؛ قرر أن يعود أدراجه إلى قبيلته، خائفاً صاغراً ضعيفاً، يستجدي السماح والرضى، وقبوله مرة أخرى بين أفرادها». وللحديث صلة.