وقفت أمام ثيمة الحنين في الأعمال السردية، لكتّاب محليين وعرب وغربيين، قرأت لهم نتاجاتهم على مدى 3 عقود ونيّف، لأطرح على نفسي سؤالاً، قديماً متجدداً: ما سبب الحنين إلى الماضي، أهو محاولة من الإنسان لفهم ذاته أو هروباً من الواقع؟

تاريخياً، مسألة الحنين ليست جديدة، بل قديمة، لكن ربما دوافعه تختلف. بدأها امرئ القيس بـ(قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل). معلقة البكاء على الأطلال والذكريات. وفي العصر الحديث، تعد رواية (الأيام) لطه حسين مرجعاً في الحنين، استدعى فيها طفولته بتفاصيلها، وشوقه إلى مكانه القديم.

أجنبياً، ليس بمقدور المرء تجاوز العمل الملحمي (البحث عن الزمن الضائع) لمارسيل بروست، استحضر فيها الكاتب ذكريات جمّة، ربط الحاضر فيها بالماضي، ليستعيد زمنه الذهبي، ليملأ نفسه حبوراً. ويحضر في السياق محمود درويش في قوله الأثير: (الحنين وجعٌ لا يحنُّ إلاّ إلى وجع، هو البحث عن فرح سابق).

هذا في الأدب، أما الفن، فيعدّ الحنين موضوعاً مركزياً في السينما العربية والأجنبية؛ فللمخرج الروسي تاركوفسكي فيلم سمّاه (نوستالجيا)، جعل من بطله في الغربة أسيراً لذكرياته. تماهى فيها عنده الماضي بالحاضر في درامية مؤثرة.

ومثله فعل المخرج لوكاش في فيلم لا ينساه المشاهد (أميريكان غرافيتي)، حيث فرط الحنين لدي شباب السبعينيات، عند استدعائهم لذكريات الخمسينيات، عقد الزهو والتحرر والازدهار، عقب الحرب العالمية الثانية.

عربياً، كان لدينا المخرج المثير للجدل، يوسف شاهين، تحديداً في فيلمه (إسكندرية ليه)، كرسه لاستعراض ذكريات الطفولة والصبا، في حقبة سابقة، في المكان ذاته.

نظرتنا إلى الخلف ثقافياً، تفضي إلى حقيقة أن الحنين للماضي، هو محرك سردي فني مهم وأساسي، في الخيال الابداعي كله، استخدمه الإنسان في مجمل نتاجه الأدبي والفني، في العالمين العربي والغربي. لعله المحفز الأثير لعملية السرد، فضلاً عن أنه يسهم درامياً في النمو النفسي. هل هنالك أسباب أخرى للحنين إلى الماضي لم نذكرها؟ للحديث بقية...