يشهد الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي تحولات جذرية بفعل الثورة الرقمية وتسارع تدفق المعلومات وتغير أنماط استهلاك المحتوى، ما يجعل من تعزيز المحتوى الإعلامي المحلي أولوية استراتيجية لتحقيق الاستقلالية الثقافية، وحماية الهوية الوطنية، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية. ولم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح أداة لصياغة الوعي، وتوجيه الرأي العام، وبناء الصورة الذهنية للدول والمجتمعات.

تواجه دول الخليج تحديات عدة في مجال الإعلام، أبرزها هيمنة المحتوى المستورد، وتأثير المنصات العالمية، وتراجع نسب الاعتماد على الإعلام التقليدي. وقد أدى هذا الواقع إلى ضعف في تمثيل القضايا الخليجية بمنظور محلي.

كما أثر على تماسك الخطاب الإعلامي الخليجي، وأضعف حضوره في الساحة الدولية. لذلك، فإن تعزيز المحتوى الإعلامي المحلي ليس ترفاً، بل ضرورة لتعزيز السيادة الإعلامية والتكامل الثقافي بين شعوب الخليج.

يتطلب تعزيز المحتوى الإعلامي الخليجي استثماراً مستداماً في الكفاءات البشرية، من خلال دعم الصحفيين والكتاب والمبدعين في مختلف المنصات، وتمكينهم من أدوات الإنتاج المهني الحديث. كما يستدعي تطوير بنى تحتية رقمية متقدمة تسمح بإنتاج المحتوى عالي الجودة، القادر على المنافسة إقليمياً ودولياً، مع مراعاة قيم المجتمع الخليجي، والتنوع الثقافي بين دوله.

ومن أبرز المحاور التي يجب التركيز عليها في هذا السياق: دعم إنتاج البرامج الوثائقية والتاريخية التي توثق التراث الخليجي، وتشجيع الأعمال الدرامية التي تعكس الواقع الاجتماعي المحلي، وتعزيز الصحافة الاستقصائية التي تتناول قضايا التنمية والحوكمة بشفافية.

كما ينبغي توظيف الإعلام في خدمة القضايا المشتركة لدول الخليج، مثل الأمن الغذائي، والتغير المناخي، وتمكين الشباب، والتعاون الاقتصادي.

ولا يمكن الحديث عن تعزيز المحتوى الإعلامي دون الإشارة إلى أهمية التعاون الخليجي المشترك في هذا المجال، من خلال تأسيس منصات إعلامية إقليمية ناطقة بلغات متعددة، وتبادل الخبرات والتجارب بين المؤسسات الإعلامية، ووضع استراتيجية موحدة لمواجهة حملات التضليل والتأثير الخارجي، لا سيما في أوقات الأزمات، وبناء جسور التواصل بين الأجيال، ووسيلة لتقديم الصورة الحقيقية للمجتمعات الخليجية إلى العالم.

وإذا ما تم توجيه هذا المشروع برؤية شاملة، واستراتيجية متكاملة، فإنه سيكون أداة فعالة في دعم الاستقرار الثقافي والاجتماعي، وتعزيز المكانة الإقليمية والدولية لدول مجلس التعاون الخليجي.