أنّى توجهت في الإمارات اليوم، تجد مجالس، سواء في الضواحي، وتشرف عليها جهة حكومية، أو مجالس الوجهاء في المنازل. أصبحت المجالس لكثرتها وفاعليتها عنواناً للأصحاب والمعارف، بل أحد مكونات الهوية العربية للمجتمع الإماراتي.

حينما تفكر في المجلس تجده اسماً يطلق على مكان يتجمع الناس فيه، للحديث وتبادل الآراء، وتجديد المشاهدة الاجتماعية. يعد المجلس عربياً في الأساس، لا من حيث الطابع فقط، وهو قديم في الحضارة العربية العريقة. وجذر المجلس (جَلَسَ). يقال: جلس الرجل، أي قعد من وقوف، أو سكن وهدأ واستقر.

للمجلس اهتمام خاص لدى الإنسان العربي، منذ مضارب القبيلة في البادية، وله رمزية معنوية لا تقتصر على صاحب المجلس، بل رمزيته تتعدى لتشمل رواده.

العلاقة بين المجلس ورواده، تلاحظها علاقة جدلية؛ ففي الوقت الذي يفتخر الشخص بارتياده مجلساً ما، في القديم، فإن المجلس، بالمقابل، يفخر برواده ومرتاديه، إذ يباهي بكثرة رواده المجالس الأخرى. فعدد الوراد في المجلس، يكسبه هيبة وكرماً وحيوية وسمعة.

من نافلة القول إن المجلس صناعة عربية، مهما اختلف شكل هندسته المعمارية من الخارج أو من الداخل، يظل مضمونه متشابهاً من حيث طبيعة الموضوعات المطروحة؛ فهي في الغالب إما أن تكون أخباراً وأحاديث اجتماعية، تتم مناقشتها والتعليق عليها، وإما أن تكون لقاءات أشبه بلقاءات ودية، يطمئن الواحد فيها على أحوال الآخر. وعروبة صناعة المجلس مثبتة تاريخياً، حملتها أكثر من ورقة بحثية.

يمكن الذهاب أبعد من ذلك، للقول إن المقهى الذي نرتاده في البلدان الأجنبية، أثناء التصييف في عواصمها، وكذا في بلداننا العربية (التي وصلها المقهى الحديث في القرن الـ19، بدءاً من القاهرة فدمشق)، ما هو إلا نسخة مطورة ومحدثة عن المجلس العربي القديم، مع بعض التفاوت، لكن هل «الصالونات الأدبية» التي نسمع بها، تدخل ضمن السياق التاريخي للمجلس ونسخة المقهى؟ هذا ما يستوجب بحثاً جديداً.