هي القوة العظمى الراكضة نحونا بثقة وسرعة، ودون أن تسألنا عن رأينا أو موقفنا أو مدى استعدادنا ! التكنولوجيا والتقنيات الرقمية، والذكاء الاصطناعي في القلب منها، لم تعد مجرد تساؤلات حول تخصصات الدراسة، أو التغيرات في سوق العمل، أو التعديلات في مفاهيم السكن والصحة والخدمات.

المسألة باتت مجتمع معلومات، وحوكمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودول لا تتصارع أو تتنافس فقط على القوة العسكرية والهيمنة السياسية والقدرة الاقتصادية، لكنها قوة عظمى قادمة، فارضة قواعدها، وباسطة هيمنتها، ومخاوف من أن تصبح قوة مستقلة قائمة بذاتها، أي لا تخضع لدولة بعينها أو تحالف دولي معروفة قواعده ومحددة معالمه.

هذا السباق المحموم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، يصنفه البعض حرباً باردة، ويخشى آخرون أن يكون حرباً عالمية ثالثة، ولكن بمقاييس ومواصفات العصر الرقمي.

والذي تتنافس فيه الدولتان القويتان المتناحرتان على مكانة الهيمنة والصدارة والسيطرة، الأدهى من ذلك وجود تكهنات حول مدى قدرة التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي على أن تصبح مستقلة، أي لا تملكها دولة أو كيان ما.

تحول الذكاء الاصطناعي إلى قوة عظمى مستقلة فكرة ما زالت في مراحلها الأولى، تتأرجح بين الحقائق العلمية والخيال العلمي، وهي الفكرة التي سنتركها جانباً في الوقت الراهن، وإن وجبت الإشارة إلى أن ما يبدو اليوم خيالاً علمياً، قد يصبح غداً واقعاً يفرض نفسه.

وبينما أمريكا والصين تتنافسان تنافساً مكتوماً يعبر عن نفسه تارة بإنفاق الصين مليارات على الذكاء الاصطناعي لتسد الفجوة التي تفصلها عن أمريكا، لا سيما في تطوير كفاءة النماذج والبرمجيات والتعاون بين الحكومة وشركات التكنولوجيا.

وتارة أخرى بهرولة أمريكية للحفاظ على ريادتها في الرقائق المتقدمة وقدرتها على تمويل القطاع الخاص، لاسيما الشركات الناشئة للذكاء الاصطناعي بقيمة تجاوزت الـ 100 مليار دولار في النصف الأول فقط من العام الجاري.

وثالثة عبر خطوات تتخذها الصين لتطيح بالهيمنة الأمريكية على قمة صناعة الذكاء الاصطناعي، يجدر ببقية العالم المضي قدماً في اتخاذ ما يلزم من خطوات لتعظيم الاستفادة وتقليص المخاطر، والتعامل مع الواقع الرقمي والتقني والاستعداد لما هو قادم.

إنه الواقع الذي يحتاج إلى قدر مذهل من المعرفة والاستعداد والتعاون بين الدول والشعوب، لا سيما أن الفجوة الرقمية والتنموية التي أشار إليها المهندس ماجد سلطان المسمار، مدير عام هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية «تدرا» بالإمارات، في كلمته أمام «القمة العالمية لمجتمع المعلومات» في جنيف قبل أيام، تعني أن 2.2 مليار إنسان في العالم ما زالوا خارج التغطية الرقمية، ما يمثل تحدياً خطيراً للجميع بمن في ذلك الـ 74% من سكان العالم المتصلين بالإنترنت.

مثل هذه الفجوات تعمق عدم المساواة وتفاقم الفقر وتحد من فرص التعلم، وتضاعف الجرائم السيبرانية وغير السيبرانية، وتوفر بيئة مواتية للأخبار والمعلومات المضللة والكاذبة، وتفاقم انحيازيات الخوارزميات التي تعتمد على بنية معلوماتية لا تشمل الجميع.

وتؤدي إلى عزلة معرفية لمجتمعات بعينها، ما ينعكس سلباً على الجميع، حيث المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية لا تعترف بحدود أو تقر بشرط الحصول على تأشيرة لتنتقل من مكان إلى آخر.

وعلى الرغم من خطورة الحرب الدائرة بين الصين وأمريكا حول السيادة على الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك مشكلات أخرى كثيرة تستحق الانتباه والتعاون من أجل مواجهتها.

القمة العالمية لمجتمع المعلومات فتحت ملف إدارة الإنترنت متمثلاً في سؤال: «من يتحكم في الإنترنت؟ ومن يديره؟»، اتفقت الدول على أن الإنترنت لا ينبغي أن يخضع لهيمنة دولة أو شركة أو كيان واحد.

لحسن الحظ أن القمة توصلت إلى اتفاق على نموذج ينص على مشاركة الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية والمجتمعات التقنية والأكاديمية في إدارة الإنترنت.

وذلك لضمان تحقيق التنمية، وشمول الجميع، وبقائه لخدمة الإنسانية جمعاء نظرياً. عملياً يظل التفعيل على أرض الواقع هو الحكم، وظل العالم أيضاً متابعاً ومنتظراً لما ستؤول إليه قوة الذكاء الاصطناعي العظمى بين الميل لصالح الصين، أم ترجيح كفة أمريكا، أم إعلان نفسها قوى عظمى مستقلة.