أعلنت هيئة النقل العام في مصر مؤخراً عن قرب التشغيل التجريبي لمنظومة الدفع الإلكتروني داخل الحافلات العامة في القاهرة، تمهيداً لإلغاء التذكرة الورقية خلال عام 2026، ومعنى هذا القرار أن دور «الكمساري» سينتهي ويرحل إلى متاحف التاريخ. والكمساري هو محصل الأجرة في الحافلات والقطارات والترام، الذي عادة ما يرتدي زياً مميزاً.

ويعلق في رقبته حقيبة جلدية صغيرة، ويحمل في يده تذاكر ملونة، ويصيح منادياً: «تذاكر.. تذاكر»، وعند توقف الحافلة بين المحطات ينادي قرب بابها على وجهتها النهائية، أو ينبه من بداخلها أن محطته اقتربت، أو يطلق صفارته لتنبيه السائق بالتوقف أو لضبط متهرب من قطع تذكرة الركوب.

وهذه المهنة الإنسانية، التي لها في مصر تاريخ طويل يتجاوز المئة عام، جسدتها ووثقتها السينما المصرية بأشكال مختلفة من خلال عدد من الأعمال. كانت البداية مع فيلم «المعلم بحبح» (1932)، والذي قام فيه فؤاد الجزايرلي بدور الكمساري الطيب «بحبح»، الذي يقوم بإنقاذ حياة أحد ركابه فيكافئه الأخير بورقة يانصيب.

فتفوز الورقة ويربح بحبح، الذي يستثمر أمواله في تأسيس مصنع ألبان، والقيام بأعمال خيرية، ثم جاء فيلم «لسانك حصانك» في عام 1953، الذي أدى فيه كارم محمود دور كمساري الترام «حمدي»، الذي يكافح من أجل حياة هانئة بسيطة مع حبيبته وجارته شادية.

من الأفلام الأخرى فيلم «حياة أو موت» سنة 1954 للمخرج كمال الشيخ، والذي يظهر فيه كمساري الترامواي وهو يقوم بدور إنساني تمثل في قيامه بالتصفير للسائق من أجل أن يسرع، ولا يتوقف في المحطات كي تتمكن الراكبة الصغيرة (ضحى الأمير) من إحضار الدواء لوالدها المريض على وجه السرعة.

وهناك فيلم «الكمساريات الفاتنات» الذي أخرجه حسن الصيفي في عام 1957 من بطولة إسماعيل يس وحسن فائق ونجاح سلام وزينات صدقي وأحمد رمزي، وهو فيلم كان الهدف منه تشجيع الفتيات على العمل بمهنة الكمساري المقتصرة آنذاك على الرجال.

ويحكى أن فكرة الفيلم جاءت من وحي قصة حقيقية في عام 1956 كانت بطلته طالبة العلوم السياسية بجامعة القاهرة عايدة محمد المغاوري، التي طلبت العمل كمسارية بشركة خطوط أوتوبيسات القاهرة، فاستجاب مالك الشركة وقتذاك عبداللطيف أبورجيلة (رئيس نادي الزمالك الأسبق) لطلبها ووظفها براتب 10 جنيهات و80 قرشاً.

بالإضافة إلى عمولة مقدارها 10 قروش عن كل جنيه، تحصله بعد الجنيهات العشرة الأولى. وفي فيلم «الناس اللي تحت»، الذي أخرجه كامل التلمساني سنة 1960 من بطولة يوسف وهبي وماري منيب وشفيق نورالدين وسلوى سعيد ومحمد سالم، يجسد شفيق نور الدين معاناة وقلة حيلة الكمساري عبدالرحيم وكفاحه من أجل لقمة عيش تستره مع ابنته الوحيدة، انتظاراً لتخرج ابنته، وتحسن وضعه الاجتماعي والانتقال من السكن في «البدروم» إلى الأعلى. وتناول الفيلم المصري حوادث النشل، التي تقع داخل الحافلات ودور الكمساري في ضبط الراكب اللص.

كما في فيلم «المحفظة معايا» (1978) الذي يحترف فيه «عطوة» (عادل إمام) النشل في الأوتوبيس، وكما في فيلم «لا من شاف ولا من دري» (1983)، الذي يتعرض فيه «مرسي» (عادل إمام) لسرقة ملابسه الخارجية في الأوتوبيس، فيخرج منه بملابسه الداخلية فقط.

وبالمثل تناول الفيلم المصري حوادث غير أخلاقية في الأوتوبيس وموقف الكمساري منها، ففي فيلم «دموع في ليلة الزفاف» (1981) تتعرض بوسي لحادثة وهي بصحبة والدها فريد شوقي، بينما كل ما يفعله الكمساري إطلاق صافرة لتنبيه السائق بالتوقف كي يغادر الأب وابنته، وفي فيلم «واحد صفر» (2009) تتعرض انتصار للتحرش، بينما الكمساري منشغل بجمع الأجرة.

ويجسد فيلم «سواق الأوتوبيس» (1982) تشبث طبقة الكمسارية بالقيم الأصيلة من خلال شخصية الكمساري «ضيف» (حمدي الوزير)، الذي يتنازل عن كل مدخراته لصديقه السائق «حسن» (نور الشريف)، بينما يجسد فيلم «فرحان ملازم آدم» (2005) الظلم الذي يقع على الكمساري «فرحان» (فتحي عبدالوهاب) القادم من الصعيد للعمل في القاهرة من قبل السلطة ممثلة في المخبر «عبدالقادر» (سامي العدل).