أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده لإجراء حوار مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان بوتين يتفاعل مع عرض للرئيس الفرنسي تقدم به على هامش قمة الاتحاد الأوروبي المنعقدة نهاية الأسبوع الماضي.

وأعلن المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف أن هذا اللقاء ممكن، وأن بوتين «أعرب أيضاً عن استعداده للانخراط في حوار مع ماكرون، إذا كانت هناك ⁠إرادة سياسية متبادلة».

ويبدو أن ترحيب الرئاسة الفرنسية، الأحد الماضي، بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وضع إمكانية عقد مثل هذا اللقاء على سكة سالكة.

ويذكر أنه، قبل إدراك الدبلوماسية الفرنسية «استحالة إجراء حوار بنّاء مع الرئيس الروسي»، كان رئيس الدولة الفرنسية من آخر الأوروبيين الذين تحدثوا مع بوتين في عام 2022، حيث تناولا حينها وضع محطة زابوريجيا النووية.

ويُطرح داخل فرنسا وخارجها سؤال كبير حول الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى محاولة فتح قناة حوار مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويكاد يحصل الاتفاق على أن فرنسا تسعى لاستعادة الدور الفرنسي والأوروبي في المفاوضات حول الوضع في أوكرانيا، خصوصاً بعد أن ترددت الأخبار عن تعثر المفاوضات غير المباشرة بين روسيا وأوكرانيا بوساطة أمريكية في ولاية فلوريدا.

ويبدو بالفعل أن هذه المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود ولم يقدم الكرملين أي تنازل عن مطالبته بكامل منطقة دونباس، بما في ذلك أراضٍ لا تسيطر عليها عسكرياً.

ويأتي هذا الإصرار الروسي في وقت لا تريد فيه الولايات المتحدة الضغط بشكل حقيقي على روسيا، ما يدفع أوكرانيا، التي خسرت مواقع كبيرة ميدانياً، إلى الاحتماء وراء الدعم الأوروبي ونقل النقاش إلى مسألة الضمانات الأمنية كشرط مسبق لأي تنازل عن الأرض.

وتخشى أوكرانيا، ومعها عدد مهم من دول الاتحاد الأوروبي، خطر تخلي الولايات المتحدة بالكامل عن أوكرانيا، ما دفع هذه الدول إلى وضع سيناريوهات عمليات انتشار محتملة، وضمانات يمكن تقديمها إلى الجانب الأوكراني في حالة التخلي الأمريكي، وحتى في حالة المحافظة على مجرد الدعم الأدنى.

وعلى وجاهة حجة المسعى الأوروبي لتفادي وضع الأمر الواقع في قضايا أمنية تخصهم بالدرجة الأولى، حيث يحاول الأوروبيون أن يكون لهم وزن في أي مفاوضات حول أوكرانيا، بالتوازي مع تقديم العاجل من المساعدات والتمويل، فإن الأسباب التي يبدو أنها دفعت الرئيس الفرنسي، إلى عرض الحوار مع روسيا تذهب إلى أكثر من هذا المبرر المنطقي في حد ذاته.

وإذ يبدو من البديهي أن تسعى أوروبا لتجنب التهميش في مفاوضات تتعلق بأمنها المباشر، فإن مسعى ماكرون الأساسي هو الحفاظ على دور فرنسا القيادي على الساحة الدولية، والأوروبية تحديداً، خصوصاً في ضوء تعاظم الدور الألماني والذي لم يعد خافياً، ما قد يكون أثار حفيظة المنافسة التاريخية بين ألمانيا وفرنسا.

وتؤكد سياسة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، هذا التوجه وهذه الطموحات، إن كان ذلك في علاقة بتجاوزه لعقدة الحرب العالمية الثانية والعودة مجدداً إلى بناء منظومة دفاعية قوية، أو من خلال الدور الذي تحاول ألمانيا القيام به لمساندة أوكرانيا.

حيث ذهب ميرتس إلى الأقصى من خلال مطالبته باستعمال الأصول الروسية المجمدة لتمويل ميزانية الحرب الأوكرانية، وهو ما دعمته ألمانيا ورفضته دول أوروبية عدة، بينها فرنسا وبلجيكا.

وبتقديمه اقتراح استئناف الحوار مع بوتين، يطالب ماكرون بمكانة لا يستطيع المستشار الألماني الحصول عليها، بعد أن أصبحت ألمانيا العدو الجديد لموسكو.

إن انقسام الموقف الأوروبي أمر حاصل يتأكد كل يوم، فهو مطلب مشترك بين روسيا وإدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ولعل سلوك ماكرون الانفرادي، لو تم، يغذي بقوة هذا الانقسام ويزرع مزيداً من الفرقة بين الحلفاء الأوروبيين.