وتواصل هذا النهج في رؤية القيادة الرشيدة اليوم، التي وفّرت للمرأة الإماراتية بيئة تشريعية وتعليمية ومؤسسية مكّنتها من الحضور الفاعل في مجالات الفكر والثقافة وصناعة القرار والعمل المجتمعي.
وفي هذا السياق، تبرز تجربة الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، باعتبارها تجربة مؤسسية لا موسمية، قائمة على التخطيط طويل الأمد، وعلى الاستثمار في الإنسان بوصفه الثروة الأغلى، فقد استطاعت أن تحوّل الثقافة من خطاب نخبوي إلى فعل مجتمعي، ومن فكرة مجردة إلى مشاريع حية تمسّ الإنسان في تعليمه، ووعيه، وانتمائه.
وقد بدا واضحاً، عبر مبادراتها ومشاركاتها، أن الثقافة في تصورها ليست محفوظات تُستعاد، ولكنها أسئلة تُطرح، وإجابات تُختبر، وأنها مسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة.
أما في العمل المجتمعي، فقد قدّمت نموذجاً متقدماً للقيادة الثقافية التي تنحاز للناس، وتؤمن بأن المعرفة لا تكتمل إلا إذا انعكست على الواقع. فالمبادرات، التي أطلقتها أو دعمتها، حملت دائماً هذا البعد الإنساني العميق، حيث الثقافة أداة تمكين، لا مجرد عنوان بروتوكولي، أو شعار لمرحلة تنتهي بانتهاء الغرض.
هنا تكمن قيمة هذا التكريم، لأنه يسلّط الضوء على تجربة تعيد التذكير بأن الجوائز، مهما بلغت أهميتها، تظل وسيلة للاحتفاء بالقيم، لا غاية في ذاتها.
وجائزة العويس للإبداع، وهي تختار الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، تؤكد أن الإبداع لا يُقاس فقط بالنصوص والمنتجات الثقافية، بل أيضاً بالقدرة على صناعة الأثر، وعلى بناء بيئة حاضنة للفكر الحر والمسؤول.
وهو اختيار يعكس وعياً عميقاً بدور «الشخصية الثقافية» بوصفها ضميراً معرفياً، لا مجرد واجهة رمزية. وهو ما تأكد عبر مسيرة الجائزة الممتدة على مساحة من الزمن، بلغت حتى الآن 35 عاماً.
وهو أيضاً رسالة تؤكد أن المرأة الإماراتية، حين تُمنح الثقة والمساحة، قادرة على أن تكون في طليعة المشروع الحضاري، لا على هامشه. ولنا في الأسماء التي كرمتها ندوة الثقافة والعلوم، من خلال جائزة العويس للإبداع وغيرها من الجوائز، خير دليل وأفضل مؤشر على ذلك.
وهو تأكيد جديد على أن الإمارات، وهي تمضي بثبات نحو آفاقها التنموية، لا تنسى أن الثقافة كانت وستظل أحد أعمدتها الراسخة، وأن وراء كل مشروع وطني ناجح، عقلاً مستنيراً، وإرادة مؤمنة بدور الثقافة في بناء الفرد والوطن، وشخصيات نذرت نفسها لخدمة الإنسان والمعرفة.