عند مراجعة ما تحقق من برامج الدعم الحكومية في دولة الإمارات للمشاريع الوطنية نجد أن الدولة لم تكتفِ بتقديم المحفزات التقليدية، بل انتقلت فعلاً إلى مرحلة الشراكة والتمكين المباشر للمواطنين في سوق العمل وريادة الأعمال، فالبرامج الحالية من «البرنامج الوطني للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» إلى مبادرة «تطوير البيئة الداعمة لريادة الأعمال» التابعين لوزارة الاقتصاد والسياحة، ومن «برنامج المحتوى الوطني» التابع لوزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، إلى منصات التمويل والتوجيه، بالإضافة إلى البرامج المعروفة على مستوى كل إمارة، تشكل جميعها منظومة وطنية متكاملة، تهدف إلى تحويل المواطن من صاحب فكرة إلى صاحب مشروع وشريك فاعل في الاقتصاد.

هذه المبادرات لم تصمم لدعم تأسيس المشاريع فحسب بل لبناء سلسلة قيمة كاملة تشمل: التدريب، التوجيه، الوصول إلى الأسواق، التمويل الميسر، والتشبيك مع المؤسسات الكبرى، كما نجحت برامج المحتوى الوطني في تعزيز مشاركة الشركات المواطنة في سلاسل التوريد، ومنح رواد الأعمال الإماراتيين فرصاً كانت في السابق محصورة في الشركات العالمية الكبرى.

وفي ظل هذه البيئة المتقدمة يصبح الحديث عن «الشراكة» امتداداً طبيعياً لما بني، وليس قفزاً فوقه، ومن هنا تأتي أهمية التفكير في مبادرات تكميلية مثل تعزيز آليات الربط بين الشركات الكبرى ورواد الأعمال المواطنين، أو توسيع الفرص للشباب للمشاركة في عقود حكومية أو صناعية رواد أعمال ناشئين، بما يعزز انتقالهم من دور الموظف إلى دور الشريك،

كما يمكن تطوير أدوات جديدة لتمويل الابتكار، بحيث تتشارك الجهات الحكومية وشبه الحكومية مع المواطنين في مشاريع التكنولوجيا، والطاقة الخضراء، والخدمات الرقمية، عبر صناديق استثمار مشتركة، تقوم على تقاسم المخاطر والعوائد، وهي نماذج أثبتت نجاحها عالمياً.

ويظل التعليم الريادي حجر الأساس في تعزيز الحاضنات الجامعية، والمختبرات الابتكارية المدرسية، ومنافسات المشاريع، ليكفل إنتاج جيل، يمتلك الجرأة والمعرفة لدخول الأسواق بثقة، مستفيداً من البيئة الداعمة، التي وفرتها الدولة.

رأيي أن التحفيز المالي، مهما كانت قيمته، لا يكتمل دون تحفيز فكري وثقافي، يرسخ لدى المواطن قناعة راسخة بأنه قادر على الإنتاج والريادة والمنافسة، فالشراكة الحقيقية لا تقوم على الدعم فقط، بل على الإيمان بأن كل مواطن شريك في صناعة مستقبل الإمارات، وأن الاقتصاد الوطني يكبر حين يكبر أبناؤه معه.