تشهد منظومة الطاقة على مستوى العالم، اليوم، تنافساً متنامياً لاكتشاف بدائل مستدامة يسهم تبنيها في الحد من الانبعاثات الكربونية الصادرة عن القطاعات الاقتصادية الأكثر استهلاكاً للوقود، ويبرز قطاع الطيران تحديداً بوصفه أحد القطاعات التي قد تقف عائقاً أمام هذا التحول المستدام، نظراً لأهمية النشاط الملاحي الجوي في حركة التبادل التجاري العالمي.
وقطاعي السياحة والسفر، التي تستهلك فيهما الطائرات كميات هائلة من الوقود الأحفوري غير المتجدد. في ظل هذه التحديات، تمضي دولة الإمارات العربية المتحدة بخطى واثقة لتطوير حلول واقعية تدعم التوجه نحو إنتاج الطاقة النظيفة، من خلال مشاريع تقودها مؤسسات وطنية رائدة تعتمد فيها على مصادر طاقة غير تقليدية.
تجسد اتفاقية التطوير المشترك لتشييد أول محطة تجارية في أبوظبي لإنتاج وقود الطيران المستدام من النفايات نموذجاً مضيئاً للشراكة المؤسسية، إذ تتكامل فيها خبرات مجموعة «تدوير» في قطاع إدارة النفايات، وخبرات «مصدر» في قطاع الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، لدعم الرؤية الوطنية الاستشرافية لمستقبل البيئة والاقتصاد الدائري.
من المتوقع أن تتمتع المحطة بطاقة استيعابية لاستقبال نصف مليون طن من الكتلة الحيوية والنفايات الصلبة سنوياً وتحويلها إلى وقود طيران مستدام، من خلال عملية إنتاجية هجينة، تجمع بين توظيف الطاقة المتجددة في إجراء التحليل الكهربائي وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
ومعالجة النفايات لاستخلاص غاز اصطناعي، ثم إخضاعه إلى عمليات كيميائية معتمدة عالمياً تحوّله إلى وقود طيران مستدام على نطاق تجاري واسع.
يدعم المشروع ريادة دولة الإمارات في تقنيات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويتوقع أن يغطي أسواقاً متعددة عند دخوله حيز التشغيل، ما يسهم في جعل أبوظبي مركزاً إقليمياً لوقود الطيران المستدام، الذي يتمتع بإمكانات تتيح خفض الانبعاثات الكربونية خلال كل مراحل الاستخدام بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بوقود الطيران التقليدي، وذلك بحسب دراسة للاتحاد الدولي للنقل الجوي، ما يرسخ مكانة دولة الإمارات في طليعة الدول المواكبة للتحول العالمي نحو وقود منخفض الكربون.
ينسجم المشروع المشترك مع عدد من الاستراتيجيات الوطنية الجوهرية، بما في ذلك الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، وسياسة الهيدروجين منخفض الكربون في أبوظبي، والسياسة العامة الاسترشادية لوقود الطيران المستدام، فضلاً عن استراتيجية أبوظبي للتغير المناخي، ومبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
ويمثل إنشاء هذه المحطة علامة فارقة في مسيرة مجموعة تدوير في سياق مساعينا الرامية إلى استخلاص القيمة من النفايات، وتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من مواردها، وتطلعاتنا إلى تحويل 80% من نفايات إمارة أبوظبي بعيداً عن المطامر بحلول عام 2030.
فنحن لا نعالج النفايات ونتجنب الأثر البيئي للتخلص منها فحسب، بل نمنحها حياة جديدة، ونغير النظرة التقليدية السائدة إليها كعبء بيئي واقتصادي، بتسليط الضوء على إمكاناتها الهائلة ودورها الحيوي في تعزيز منظومة الطاقة النظيفة.
واستحداث سلاسل قيمة جديدة في قطاعات إدارة النفايات والطاقة المتجددة والاقتصاد الدائري على حدٍ سواء. كما تعكس هذه الخطوة التزامنا بدعم أهداف عام المجتمع 2025، في دولة الإمارات، عبر النهوض بدور المؤسسات اتجاه المجتمع، بتمكين أفراده وتوظيف إمكاناتنا في دعم الاقتصاد المستدام، من خلال نماذج عملية تترجم مفهوم الاستدامة إلى أثر ملموس في حياة الناس.
تؤثر المؤسسات والشركات والأنشطة التجارية بشكل مباشر في جودة الحياة، وأمن الموارد، ونظافة البيئة وصحة المجتمع، فكل قرار وممارسة ونهج مؤسسي ينعكس مباشرة على نقاء الهواء الذي نستنشقه، ونظافة البيئة التي نعيش فيها، وعلى مستقبل الأجيال القادمة.
ومن هذا المنطلق، يصبح تبنّي حلول مبتكرة، كتحويل النفايات إلى وقود طيران مستدام، مسؤولية مجتمعية للمؤسسات، لا بوصفها جهات تشغيلية فقط، بل بوصفها شريكاً أساسياً في بناء بيئة آمنة وصحية للجميع، فبامتثالها لمعايير الاستدامة والممارسات منخفضة الانبعاثات، ودمجها في عملياتها وخططها الاستراتيجية، تسهم المؤسسات في المحافظة على الموارد، ونشر ثقافة المسؤولية المشتركة، وتلهم أفراد المجتمع للمشاركة في عملية التحول المستدام وتبني أنماط استهلاك مسؤولة تعزز حماية البيئة على المدى الطويل.