يواجه المجتمع الدولي تحديات متعددة وكبيرة، ومن أخطرها آفة المخدرات التي بلغ إنتاجها حداً غير مسبوق، وهي تكاد تشمل كل المجتمعات وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة الخطورة.

وبحسب التقارير الأممية، بلغ حجم إنتاج الأفيون في العالم 7790 طناً في عام 2018، وما ينفك إنتاج الكوكايين في العالم يتزايد، ولا سيما في أمريكا الجنوبية.

وأشار تقرير صادر في 2025 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن معدلات إنتاج الكوكايين بلغت مستويات قياسية جديدة في عام 2023، ما يجعله أسرع أسواق المخدرات غير المشروعة نمواً على مستوى العالم، فقد شهد الإنتاج غير المشروع قفزة كبيرة ليبلغ 3,708 أطنان، بزيادة تقارب 34% مقارنة بعام 2022.

وتشكل المخدرات تحدياً كبيراً ومعقداً، وهي آفة تشمل ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، ووفقاً لذات التقرير، هناك ما يزيد على 300 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً، وهي ظاهرة منتشرة في مختلف الدول والمجتمعات بقطع النظر عن نموها وتحضرها.

وما يلفت الانتباه أنه، وبقدر تفاوت انتشار هذه الآفة في الدول والمجتمعات فإن التعاطي معها والتصدي لها يتباين ويتم بالبون الشاسع بين دولة وأخرى، ولا يبدو أن الوعي بخطورة الظاهرة قاسم مشترك بينها، ويدفع باتجاه وضع الخطط المشتركة الكفيلة بالتصدي لها.

وما يشد الانتباه أكثر أن عملية التصدي لهذه الظاهر هو أمر ملموس أكثر في دول الغرب الليبرالي منه في دول الجنوب النامية والفقيرة عدى بعض الاستثناءات المحمودة.

ويعتزم عدد من قادة أوروبا وأمريكا الجنوبية تشكيل تحالف أمني جديد لمكافحة الاتجار بالمخدرات، والجريمة المنظمة، والفساد، ويسعى هذا التحالف، إلى إيجاد تنسيق أوثق بين سلطات الشرطة والقضاء ومصالح الجمارك، وقد نوقشت هذه في مدينة سانتا مارتا نوفمبر الماضي في كولومبيا خلال قمة للاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.

وتمثل عملية التصدي لآفة المخدرات تحدياً كبيراً للدول نظراً لارتباط هذه الظاهرة بالجريمة المنظمة التي برهنت تنظيماتها المعقدة على قدرة متعاظمة على التكيف واستنباط الطرق الكفيلة بتفادي خطط الدول لمحاصرتها والحد منها، وهو ما يتطلب درجة كبرى من التنسيق بين الدول في أطر ملائمة ومتعددة الأطراف.

وإن التنظيم المتشعب للتنظيمات الإجرامية يفرض على الدول والمجتمعات أكثر من أي وقت مضى الالتزام بالخطط المشتركة لعملية التصدي لآفة المخدرات إنتاجاً وترويجاً، ما قد يفسر معارضة الدول لأي عمل انفرادي كمثل ما أتته الولايات المتحدة مؤخراً في المحيط الهادي وكذلك تهديداتها ضد فنزويلا بصفتها موطن إنتاج عديد المواد المخدرة بحسب التصنيف الأمريكي.

وإن الانتشار الواسع لتجارة المخدرات عموماً والكوكايين بخاصة واتساع نطاق هذه التجارة مع اكتساح مناطق وأسواق جديدة في آسيا وأفريقيا وأوروبا الغربية بعد أن كانت محصورة في أمريكا اللاتينية والقدرة العجيبة لتكيف مختلف التنظيمات الإحرامية مع المعطيات الميدانية وخصوصاً في مناطق النزاع، حيث كثيراً ما تستغل هذه التنظيمات الأزمات العالمية من أجل استهداف الفئات السكانية الأكثر هشاشة.

وتثبت التقارير من جهة أن هذه المناطق هي أرضية خصبة لانتشار الظاهرة وهي إلى ذلك مجال أمثل للتحالف بين تنظيمات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية التي تسعى لخراب المجتمعات والأوطان.

ويدفع كل ذلك باتجاه ضرورة وضع الخطط المناسبة للاستثمار في الوقاية ومعالجة الأسباب الجذرية لإنتاج وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، من خلال «نهج شامل ومنسق، يمكن من تفكيك المنظمات الإجرامية، وترسيخ الأمن العالمي، وحماية المجتمعات».

إن ظاهرة المخدرات، وإن كانت ضاربة في القدم إلا أن تطورها الحالي الملفت والمرعب وتشابكها مع قوى التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة وعابرة للقارات يتطلب من البشرية مشتركة وعياً عالياً كفيلاً بالمساعدة على الحد من خطورة الظاهرة على مجتمعاتنا ودولنا واجتثاثها من عروقها عند الاقتضاء، لأن خراب الأوطان وزوال الدول طريقه واحد: غياب الحزم في فرض هيبة هذه الدول أمام الانحراف والإرهاب.