حجر جديد في نهر المسألة الفلسطينية، الدهاء أن تكسب ثم تواصل التفاوض، الإقامة في الجدل وانتظار نتائج مغايرة تشبه الإقامة في نظام الإيجار السياسي المؤقت، لا يجب ترحيل المستقبل بأختام صراع الروايات واختراع السرديات.
قرار مجلس الأمن الدولي 2803 بمثابة محطة في سلسلة من القرارات الدولية منذ عام 1947، الخاصة بفلسطين، والصراع في الشرق الأوسط، فقد نص القرار على إنشاء قوة دولية لمدة عامين، تنتهي في 31 ديسمبر عام 2027.
القرار جاء بناء على مبادرة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي قدمها في نهاية سبتمبر الماضي في 20 نقطة، ونصت على إيقاف الحرب على قطاع غزة، وسرى هذا الإيقاف في التاسع من أكتوبر، وبعدها عقد مؤتمر شرم الشيخ للسلام في الثالث عشر من الشهر ذاته، بحضور ما يزيد على ثلاثين زعيماً عالمياً. منذ هذا التوقيت اتخذت أزمة الحرب مساراً مختلفاً.
حيث قدم الأمريكيون مقترحاً إلى مجلس الأمن، وذلك من أجل إضفاء شرعية دولية على هذا المقترح، ووافق عليه مجلس الأمن في السابع عشر من نوفمبر الجاري، حيث صوتت على تمريره ثلاث عشرة دولة، وامتنعت روسيا والصين.
وبذلك حظي بالموافقة، لتدخل مسألة الشرق الأوسط طوراً جديداً، وأبرز ما ورد في هذا القرار أنه يرحب بإنشاء هيئة إدارية انتقالية شخصية قانونية دولية تتولى إطار العمل، وتنسيق التمويل لإعادة إعمار غزة، لكن الأبرز أن القرار دعا إلى إنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة يترأسها ما يسمى مجلس السلام الدولي.
بالطبع، فإن القوة الدولية المؤقتة صارت ذات طابع دولي.كما أشارت الدول العربية والإسلامية والأوروبية إلى ضرورة تضمين نص القرار هذا الأمر الذي كان غائباً عن المبادرة الأمريكية المقترحة.
لكن استطاعت هذه الدول أن تجد ضوءاً في آخر النفق، وكان الإصرار على حل الدولتين جزءاً من مناقشات ما قبل التصويت. على أي حال، فإن القرار في النهاية حدد مساراً نحو تقرير المصير الفلسطيني، وإقامة دولة في نهاية المطاف.
وبالطبع كان هذا مطلباً فلسطينياً وعربياً وعالمياً، وهو أن يتم إصلاح القيادة الفلسطينية، وتمكينها من إدارة الوضع في غزة والضفة والقدس الشرقية دون انفصال أو انفصام، لذا رحبت السلطة الفلسطينية بالقرار، كونه يؤكد بصورة أو بأخرى أحقية الفلسطينيين في دولتهم المستقلة.
ويؤكد كذلك مخرجات مؤتمر نيويورك، الذي دعا إلى وجود مسار قانوني لإنشاء الدولة الفلسطينية، ثم تأكيد هذا المسار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وفتوى محكمة العدل الدولية.
صحيح أن هناك مخاوف من أن تتحول القضية الفلسطينية إلى شأن إسرائيلي - أمريكي تتجاوز فيه السياسة الحالية قرارات مجلس الأمن السابقة.
ضمن هذه المخاوف أن يتم تأكيد رؤية ترامب التي قدمها عام 2020، التي ترى أن المسألة الفلسطينية تخضع لما يسمى السلام الاقتصادي، والتعاون بين إسرائيل ودول المنطقة، بعيداً عن الوصول إلى حل نهائي لهذه القضية المزمنة، وبذلك يصبح الجمر تحت الرماد، لكن هذه التخوفات يراها البعض عرضاً لا بد منه، نتيجة ما جرى من إبادة للشعب الفلسطيني على مدى عامين.
إيقاف الحرب في حد ذاته كان مطلباً إنسانياً ودولياً، وبالتالي فإن المخاوف مشروعة، لكن لا بد من ترشيدها والتعامل معها بحكمة سياسية عميقة، وقوة استراتيجية تنظر إلى تقدير الأمور وفق حسابات نظام عالمي جديد يتشكل، ستكون القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة في القلب من ملامحه.
رحب العالم بالقرار الأممي 2803 أملاً في وضع حد لاستنزاف السياسة الدولية في صراع مزمن يستغله الجميع داخل المنطقة وخارجها، بينما يسفك الدم الفلسطيني دون هوادة.
ويقع العالم في مسارات متقاطعة من الحروب التي لا تنتهي. صحيح أن هناك تحفظاً من بعض القوى الفلسطينية، وغيرها، لكن هذا التحفظ سينتهي مع الوقت، كون القضية الفلسطينية لا يحذفها قرار أو يشطبها وضع عالمي في حالة سيولة.
الفلسطيني سيجد طريقه حتماً وسط الأهوال، وقد عاينها وعاشها على مدى قرن، ولم يذهب بعيداً، فاستطاع أن يجعل القضية مشتعلة دائماً تحت الرماد العالمي، وهنا لا بد من استثمار أي قرارات والاستفادة من المزايا، شريطة أن تتوافر الإرادة الفلسطينية في المقام الأول.
هذا القرار يدعو إلى أن يتأمل الفلسطينيون أوضاعهم بدقة، وأن يصلوا إلى رؤية واحدة ضرورية، تمنع ما يسمى القوة الدولية في غزة من التحول من قوة مؤقتة إلى دائمة، فهذا بأيديهم خلال العامين المقبلين، فالقرار أممي، لكن الإرادة فلسطينية.