دوّت فضيحة شركة إنرون الأمريكية في كل وسائل الإعلام العالمية، في عام 2001، بعدما اكتشف المساهمون أن كبار التنفيذيين أخفوا خسائر بمليارات الدولارات لتحقيق مكاسب شخصية.

كانت تلك الواقعة درساً قاسياً في معنى أن «تفوض من لا يستحق». فمنذ تلك اللحظة بدأ المختصون يعيدون النظر في العلاقة بين المالك والمدير، وبين الثقة والمساءلة، حتى أعيد إحياء ما يعرف اليوم بـ«نظرية الوكالة» التي تشرح كيف يمكن أن تتحول العلاقة بين «الموكل» و«الوكيل» من شراكة في النجاح إلى صراع خفي حول المصالح.

تبنى نظرية الوكالة (agency)، وهي تعاقد بين فرد أو مجموعة من الأفراد (يطلق عليهم المفوض أو الموكل)، على تصور أنه يقوم بتوكيل آخر يسمى الوكيل، وذلك لأداء مهمة معينة باسم الموكل، بما في ذلك اتخاذ القرارات بشتى أنواعها.

مثال ذلك، العلاقة بين المساهمين (الموكل) ومدير الشركة أو الإدارة العليا (الوكيل) ‏الذي يؤدي المهام الإدارية الروتينية مثل البيع والشراء والتفاوض والمفاضلة والإدارة والمتابعة والرقابة والقيادة، وغيرها من أعمال تجارية. فلا يمكن للموكل (المساهم) أن يكون موجوداً مع الإدارات التنفيذية طوال الوقت، وفي جميع الشركات التي يمتلك فيها حصة.

ومن هنا نشأت نظرية الوكالة، ‏وهي نظرية في غاية الأهمية في العمل الإداري، بحيث يمكن من خلالها صياغة العلاقة التعاقدية بين الطرفين الموكل والوكيل.

وقد قدم هذه النظرية الباحثان الشهيران «جنسن» و«ميكلنج» عام 1976، وترى أن هناك كلفة مادية تقع بسبب هذه العلاقة، منها على سبيل المثال السلوك الانتهازي Opportunism، والرشادة المحدودة Bounded Rationality، وحالة عدم اليقين التي تسيطر ‏على العلاقة. ‏

وتتكبد المؤسسة نظير «تكاليف المراقبة» التي يحاول المسؤولون فرضها على أمل الحد من انتشار السلوك الانتهازي، وهي مسألة حساسة في هذه العلاقة التعاقدية، فعندما يفوضنا أحد للقيام بعمل ما نيابة عنه فإنه يتمنى أن نؤديه على أكمل وجه، ولذلك فإن آخر ما يرجوه أن يجدنا انتهازيين للفرصة بطرق غير أخلاقية أو غير مشروعة. ‏

وهناك تكلفة ثانية وهي ما تقدمه الشركات من «تكاليف الحوافز المادية» التي تحاول من خلالها كسب ود كبار المسؤولين، مثل منحهم أسهماً، وذلك حتى يشعروا بما يشعر به الملاك. فشتان بين الموظف الذي ينتظر راتبه نهاية الشهر وبين المالك الذي يتطلع إلى أفضل أداء لهذه المؤسسة. ‏

من هنا جاءت فكرة منح الصحفيين في الولايات المتحدة الأمريكية أسهماً في شركات الصحافة التي يعملون بها. فإذا تنامى الشعور بالمسؤولية الكبرى لدى الصحفي فضلاً عن المسؤولية التجارية، فإنه يؤدي عمله على أكمل وجه، ويحقق السبق الصحفي، ثم فإنه يربح (في ظل اللوائح والقوانين)، وربما يحقق ثروة طائلة بصفته مالكاً قبل أن يكون موظفاً.

‏وهناك تكلفة ثالثة يطلق عليها «تكلفة الفرصة البديلة» وهي تعني أن تلك المؤسسات (الموكل) تتحمل الخسارة الناجمة عن تباين مصالحها مع مصالح الوكيل.

ولهذا السبب يتوقع من المؤسسات أن تكون أكثر فاعلية في إدارة أعمالها، لكي تحاول تخفيض أكبر قدر ممكن من مخاطر الانتهازية في سلوك الأفراد، التي تهز الثقة بين الطرفين.

قد تبدو النظرية أمراً بديهياً، غير أن عدم فهم هذه العلاقة التعاقدية يؤدي إلى مزيد من الأخطاء، وربما عدم إدراك لأهمية الحوكمة، والتدريب، وتأهيل الموظفين وتسليحهم بالمهنية العالية، والدراية باللوائح، حتى يقدموا أعمالهم على أكمل وجه بعيداً عن الانتهازية. بعبارة أخرى لا بد من تهيئة بيئة العمل بشكل جيد للتمكن من حسن مراقبة كل من توكل إليه مهمة.