يرى هذا الفريق أن المقال يشبه ومضة البرق؛ يضيء لحظة، لكنه لا يغيّر شكل السماء، وأن الكاتب مهما كانت فصاحته أو قوّة فكرته، سيجد نفسه بعد أيام قليلة خارج دائرة الاهتمام. فالإعلام سريع الإيقاع، لا ينتظر من يتأمل، بل يطلب الجديد دائماً.
ويسأل أعضاء هذا الفريق: كم من مقالٍ قرأناه بعد سنوات طويلة من كتابته فوجدناه كأنه كُتب اليوم؟ وكم من كاتب خلدته مقالاته أكثر مما خلدته كتبه؟ نعود إلى مقالات العقاد وطه حسين والمنفلوطي وأحمد بهاء الدين، فنجد فيها نبض الحياة، وسعة الفكر، وجمال اللغة، كأنهم يكتبون من زمننا.
مقالات هؤلاء جزء من ذاكرة الأمة الثقافية. المقال إذاً هو الذي نقل إلينا فكر جيل كامل من النهضويين والمفكرين العرب.
ربما يكون المقال قد تحول إلى مساحة ضيّقة وسط الزخم الإعلامي وموجات التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا، لكنّ هذه المساحة لا تزال تحتفظ بجاذبيتها لمن يُتقن فنّ الكتابة فيها.
فالمقال الجيّد يختصر ما تفصّله الكتب، ويقرّب ما يُبعِده التنظير، ويضع الفكرة في قالب إنسانيّ يجعل القارئ يرى نفسه فيها، ثم إن المقال ليس نصاً عابراً، بل شهادةً على زمن وأفكار ومواقف.
عندما نقرأ اليوم مقالات الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي، نكتشف ملامح مرحلة كاملة من التاريخ الاجتماعي والسياسي والفكري.
إنها وثائق مكتوبة، تحفظ ذاكرة الشعوب مثلما تحفظ الصحف أرشيفها. ولعل هذا ما يجعل المقال فنّاً ذا قيمة مزدوجة؛ آنية في تأثيرها، لكنها تاريخية في معناها.
الخلود الحقيقي في أن تبقى الرسالة حيّة. المقال لا يخلّد كاتبه إذا كان مجرد رأي عابر في شأن عابر، لكنه يخلّده عندما يكون نافذةً يطلّ منها الناس على فكر ناضج، أو ضمير حيّ أو كلمة تنحاز للإنسان والحق والجمال.
وما أكثر الكتّاب الذين عاشوا بيننا وتركوا آثارهم، لا في الكتب، بل في مقالات صارت جزءاً من ضمير الأمة، تُتداول وتُدرّس ويُستشَهد بها بعد عقود من كتابتها.
الكاتب الذي يكتب بضمير حيّ لا يخشى النسيان، لأن كلمته تجد طريقها إلى الخلود عاجلاً أو آجلاً.