يعد فن المونولوج (الأداء المنفرد)، من الفنون التي غزت العالم العربي قديماً، وجذبت الجماهير، لأنه اعتمد على الغناء القصير المصاحب للموسيقى السريعة، ناهيك عن طبيعته الكوميدية الساخرة والناقدة للأحوال الاجتماعية والسياسية بشكل طريف. ومن رواده الأوائل في مصر، الفنان سيد درويش، الذي نظم ولحن العديد من المونولوجات في عشرينيات القرن الماضي، الأمر الذي شجع فنانين مصريين آخرين على اقتفاء أثره لاحقاً، فظهرت أسماء ارتبطت بهذا اللون الغنائي الساخر، مثل محمود شكوكو وثريا حلمي وإسماعيل يس وسيد سليمان ومحمد كامل، وصولاً إلى أحمد غانم وسيد الملاح ومسعد القص وغيرهم.

وكان المونولوج يُؤدى في البداية على المسارح، ثم سجلت على الأسطوانات، قبل أن تنتقل إلى السينما والإذاعة والتلفزيون.

من رواد هذا الفن الأوائل في السعودية، الفنان عبد العزيز الهزاع وسعد التمامي وحسن دردير (مشقاص). أما رائد المونولوج في الكويت بلا منازع، فهو الفنان محمد حمود الظفيري، المعروف باسم «محمد الويس»، الذي سنوثق سيرته وأعماله في هذه المادة، استناداً إلى ما كُتب عنه في الصحافة الكويتية والخليجية، خصوصاً صحيفة «الجريدة» في عددها ليوم 23/8/2011، وما هو مدون في الأدبيات الفنية الكويتية.

لم يكن غريباً أن تشهد الكويت منذ ستينيات القرن العشرين ظهور هذه الموهبة الفذة، التي جمعت في شخصها قدرات متنوعة، شملت رياضة كرة القدم وغناء المونولوج وكتابة الأغاني وتلحينها، والإخراج التلفزيوني وإعداد البرامج وتقديمها، وأشياء أخرى كثيرة، ذات صلة بالفنون والإبداع. ذلك أن الكويت بمجرد استقلالها في عام 1961 م، أولت اهتماماً ورعاية كبيرين بما يسمى اليوم «القوة الناعمة»، فأنفقت بسخاء على المسرح والتلفزيون والفرق الموسيقية والتراث الشعبي، وابتعثت الموهوبين من بنينها وبناتها إلى الخارج، للدراسة وصقل مواهبهم في أفضل المعاهد والكليات العربية والأجنبية، واستعانت بعباقرة الفن في مصر، لإحداث حركة ثقافية وفنية غير مسبوقة في المنطقة، لدرجة أن تحولت الكويت في السبعينيات إلى منارة للثقافة والإبداع والتنوير، ومحجة لكل أبناء الخليج الموهوبين الباحثين عن الشهرة والانطلاق والنجومية، كما كان حال مصر بالنسبة للعرب. ويعود الفضل في ما اتخذته الكويت من قرارات وقتذاك لثلة من رجالاتها المتعلمين المخلصين، من أمثال عبد العزيز حسين وأحمد مشاري العدواني وحمد عيسى الرجيب، الذين عملوا بدعم غير محدود من وزير الإعلام حينذاك، الشيخ جابر العلي الصباح.

ولد محمد حمود الظفيري، المعروف باسم «محمد الويس»، والمكنى بـ «أبو عبد الله» في الكويت، في عام 1950، وفيها أتم تعليمه النظامي بمراحله الثلاث، وأثناء سنوات دراسته تلك، كان شعلة من النشاط، يمارس التمثيل والغناء والعزف على خشبة المسرح المدرسي، وفي المخيمات الكشفية، وخلال الرحلات و«الكشتات» البرية والبحرية، كما برزت مواهبه في فن المونولوج، من خلال «نادي الرازي»، الذي كان يلتحق به في عطلات الصيف، مع فرقة موسيقية مكونة من زملائه الشباب، من أمثال الفنانين المعتزلين حالياً عبد الرحمن السريع وحمدان السريع. إلى ذلك، انشغل «محمد الويس» بلعبة كرة القدم. فقد كان من البارزين والموهوبين في هذه اللعبة الساحرة، إبان سنوات دراسته، ثم لعبها لاحقاً مع نادي السالمية الرياضي، في خانة حراسة المرمى. وفي هذا النادي، حدث وأن افتقده ذات يوم أحد المدربين، فطلب أن يؤتى به، ولم يكن يعرف اسمه، ما جعله يطلق عليه «الويس»، على اسم عالم أحياء أجنبي كان شبيهاً له في الملامح والقامة. ومذاك التصق به هذا الاسم، وراح أصدقاؤه وزملاؤه ينادونه بـ «محمد الويس».

في الحفل الختامي لأحد المخيمات الكشفية، التي أقيمت سنة 1967، بحضور رائد التعليم والأب الروحي للمعارف الكويتية، وأول وزرائها، الشيخ عبد الله الجابر الصباح، رحمه الله، قدم «محمد الويس» مونولوجين، بمصاحبة فرقة موسيقية من زملائه. كان المونولوج الأول بعنوان «مد ريولك قد لحافك»، ومطلعه:

مد ريولك قد لحافك، لا تطالع غيرك

تتعب، هذا وذاك ما يفيدونك

أما المونولوج الثاني فقد كان بعنوان «بنات بلادك أحسن»، ومطلعه:

باللي تخطب من بره

بنات بلادك أحسن لك

خرج صاحبنا من هذه التجربة بهدية، كانت عبارة عن ميدالية ومئة دينار. علاوة على ذلك، وتقديراً من راعي الحفل لأدائه الجيد، أمر الشيخ عبد الله الجابر مسؤولي الإذاعة الكويتية بتبنيه فنياً، وإتاحة الفرصة أمامه لتسجيل أعماله الغنائية في استوديو الإذاعة، بمصاحبة فرقتها الموسيقية. وهكذا سجل «محمد الويس» في عام 1968، وهو في سن الثامنة عشرة، مونولوجات في استوديوهات الإذاعة، ثم صورها في التلفزيون، وكان من بينها مونولوج «مدّ ريولك» آنف الذكر، ومونولوج «عجايب الدهر»، علاوة على مونولوج «شيلي قشك» (ألحان وكلمات ثامر السيار)، الذي شاركه في أدائه الفنان الراحل عبد العزيز النمش، وبسبب مشاركة النمش، انتشر العمل، وانتشر اسم «محمد الويس» معه في الأوساط الفنية، وبات أشهر من نار على علم.

وتعتبر الأدبيات الفنية الكويتية مونولوج «شيلي قشك»، أحد أشهر المونولوجات التي قدمت في تاريخ الحركة الغنائية الكويتية الحديثة، وقد اشترته إحدى الشركات الفنية، وطبعته على أسطوانات، وما زال يذاع إلى يومنا هذا.

حتى تلك الفترة، كان فن المونولوج مجرد هواية من هوايات «محمد الويس» الكثيرة، لكنه وجد نفسه غارقاً في هذا اللون الغنائي، ومطالَباً بتقديم المزيد، إرضاء لجمهور راحت أعداده تزداد تدريجياً، وتجاوباً أيضاً مع صديقه الشاعر يوسف الجراح، الذي أعد له كلمات مونولوجات كثيرة، علماً بأن أول من كتب له نص مونولوج ليؤديه، هو عبد الجبار مزعل.

في البداية، دأب «محمد الويس» على تقديم أعماله من خلال الإذاعة والتلفزيون، لكنه بدأ بعد ذلك في تقديمها من خلال حفلات جماهيرية عامة، على الرغم مما كان يشعر به من خجل وارتباك، وأول حفلة عامة شارك فيها، كانت حفلة خيرية أقامتها لولوة القطامي، في أوائل السبعينيات، على خشبة مسرح الأندلس، وشاركه فيها عبد المحسن المهنا وليلى عبد العزيز من الكويت، ونجاة الصغيرة من مصر، وقد بكى «محمد الويس» في هذا الحفل، تأثراً بتصفيق وترحيب الجمهور الغفير له. أما الحفل الثاني الذي شارك فيه، فقد كان حفلاً غنائياً في نادي اليرموك الرياضي، بمناسبة فوز الأخير بكأس الأمير، وفيه قدم «محمد الويس» أغنية خاصة، من ألحانه وكلمات الشاعر يوسف ناصر، مطلعها:

رحت أسأل يالربع شنهو الخبر، شنهي هالزينة اللي تطري بالبحر

قالوا لي كأس الأمير طار ببساط الحرير شللوا فيه اللواعيب السمر.

أما أول رحلة خارجية له، فقد كانت إلى سلطنة عمان، للمشاركة في عيد جلوس السلطان قابوس، رحمه الله، مع مصطفى أحمد، وعايشة المرطة من الكويت، ومحمد زويد من البحرين، وعادل مأمون من مصر، وأبو بكر سالم من السعودية. تلتها رحلة إلى القاهرة، شارك خلالها صديقه المصري الملحن مصطفى العوضي في تقديم بعض المونولوجات في القاهرة، كان بعضها من ألحان العوضي، مثل الأغنية الوطنية «يا كويت»، والأغنية الرياضية «أهلي والنبي أهلي».

شكلت فترة أوائل السبعينيات من القرن العشرين منعطفاً هاماً في مسيرة «محمد الويس» المونولوجية، ففيها تعاون مع الملحن الكويتي وصاحب البصمات الخالدة في تطوير الفن الغنائي بدولة الكويت، المرحوم عبد الرحمن البعيجان، في إطلاق مونولوج «يا طوير هندي»، من كلمات الشاعر الغنائي محمد المحروس، والذي يقول مطلعه:

ياطوير هندي، عندك ما عندي

عندك سيارة، فيها الخســــارة

من بعد البعيجان ونجاح تلحينه لـ «ياطوير هندي» نجاحاً لافتاً، تعاون «محمد الويس» مع ملحنين وشعراء آخرين كثر. إذ قدم في عام 1974 مونولوج «أشكال وألوان»، من تأليفه وألحان المرحوم حمدي الحريري، وفي عام 1975، قدم من كلمات عبد اللطيف البناي وألحان يوسف المهنا، مونولوجات «طارت الطيارة» و«راحة البال»، من كلمات سليمان المرداس وألحان عبد الله بوغيث، و«البمبرة» من كلمات يوسف ناصر.

وفي عام 1968، قدم مونولوج «درب السلامة» المروري، من كلمات يوسف ناصر، وسجل في عام 1978 مونولوج «يالمشتقي»، من كلمات عبد الأمير عيسى وألحان راشد السلطان. كما تعاون مع الفنان القدير غنام الديكان في أكثر من عمل فني، ومع الشاعر عبد الرحمن النجار في مونولوج «سمعوا هالقصة»، ومع الملحن خالد الزايد في مونولوج «شاي الضحى». ومن بين أعماله الشهيرة الأخرى، مونولوجات: «ضاع الديك» و«يا ساتر من السرعة» و«المينون» و«العزوبية» و«السيجارة» و«الدنيا مظاهر» و«لا يغرك شراعه»، وغيرها من المونولوجات التي تناولت التغيرات والمشاكل الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الكويتي بصفة خاصة.

وعلى الرغم من أن الويس اعتمد في الجل الأعظم مما غناه على ألحان غيره، إلا أنه خاض مجال التلحين أيضاً، في دليل آخر على تشعب مواهبه، فلحن مونولوجات لنفسه ولفنانين آخرين، مثل البحريني باسط البوسطة، والكويتي عبد المجيد عبد القادر. مع ملاحظة أن توجهه هذا نحو التلحين لغيره، جاء في السنوات الأخيرة من مشواره مع المونولوج، أي حينما وجد أن المونولوج فقد دوره وتأثيره وجمهوره، خصوصاً مع ظهور نماذج أساءت لهذا اللون الغنائي الساخر، بالحركات السخيفة والملابس المزركشة والنطنطة على المسرح كالأرجوز، على حد قوله.

ومما لا شك فيه أن «محمد الويس» أحدث في الإذاعة والتلفزيون الكويتيين حراكاً من نوع خاص، فكافأته وزارة الإعلام الكويتية بابتعاثه على نفقة الدولة إلى مصر، لإكمال دراسته الجامعية. وبالفعل، سافر إلى هناك، وتخرج في كلية إدارة الأعمال بجامعة القاهرة، في العام الدراسي 1981/1982، كما درس في المعهد العالي للفنون الموسيقية بمصر، الذي منحه الدبلوم العالي، ثم تابع دراسته في بريطانيا، فنال دبلوم الإنتاج والإخراج من تلفزيون لندن.

بعد عودته إلى وطنه مكللاً بالشهادات، تمّ تعيينه مساعد مخرج، قبل أن يترقى ويصبح مخرجاً، ثم أصبح مديراً لإدارة التشغيل والتنفيذ والمتابعة في «القناة الثالثة» الرياضية في الكويت، وبعدها صدر أمر بتعيينه مستشاراً في وزارة الإعلام الكويتية، وظل كذلك إلى أن تقاعد من العمل الحكومي. وإبان عمله مخرجاً في التلفزيون، قام بإخراج برامج منوعات كثيرة، منها: «عالم السينما» و«سهرة منوعة» و«مجلة التلفزيون» و«لقاء الخميس» و«أنتم والمنوعات» و«أسفرت». كما أخرج تغطيات للاحتفالات الرسمية، وبرامج توثيقية عن بعض مناطق الكويت، مثل جزيرة فيلكة، وأخرى عن الرواد الأوائل في الكويت، تحت عنوان «رفقاء الدرب».

تقاعد «محمد الويس» من العمل الحكومي، لكنه لم يتقاعد عن الفن والإبداع. صحيح أنه ابتعد عن غناء المونولوج والإخراج للتلفزيون، لكنه اتجه إلى إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية والإذاعية، خالعاً بذلك على نفسه صفة المذيع ومقدم البرامج، ومنضماً إلى جيش الإعلاميين. حيث نجح في إعداد وتقديم برامج المسابقات «غطاوي»، بدءاً من عام 2000، بمشاركة المذيعتين ورود وحليمة بولند، والممثلة البحرينية زينب العسكري، كما أعد وقدم برنامج «هذا الكويت»، وسهرات منوعة. إلى ذلك مدّ نشاطه إلى الإذاعة الكويتية ومحطة الإف إم، فقدم من خلالها برامج مثل: «نجوم على الطريق» و«البشتخته» و«الدروازة» و«ليالي الديرة» و«عتيج الصوف» و«ضيوف الرحمة»، وغيرها.

إبان فترة الغزو العراقي لدولة الكويت، انتقل الويس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، مصطحباً عائلته المكونة من زوجته وأبنائه، ومن هناك قدم البرنامج الإذاعي اليومي «رسالتي»، لكن العمل الجبار الذي قام به، جاء بعد تحرير الكويت، حينما جال على محطات وقنوات أبوظبي ودبي والدوحة ومسقط وغيرها، لجمع وجلب الأشرطة الغنائية والموسيقية والمسرحية والبرامجية التي فقدتها مكتبة تلفزيون الكويت، فتمكن من جلب نحو خمسة آلاف شريط. وقد كافأته الحكومة على هذا المجهود في حينه، بتعيينه مديراً للقناة الثالثة الرياضية في الكويت.

رصد عن «محمد الويس» قوله في ما يتعلق بفن المونولوج: «لا يطلب منك أن تلبس لباس مهرج وتظهر أمام الناس، أو أن تشوه نفسك وتلبس لباس امرأة لكي تعمل مونولوجاً». أما عن مخرج المنوعات، فقال إن عليه «أنْ يدرس الموسيقى، وإنْ لم يدرس، يجب أن تكون عنده خلفية موسيقية، وإنْ لم تكن، يجب أن يكون متذوقاً فنياً للموسيقى».

وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن «محمد الويس» تم تكريمه عدة مرات من جهات مختلفة، محلية وخليجية وعربية، منها تكريمه سنة 2009 في مهرجان القاهرة الدولي للتلفزيون والإذاعة.