القمة حلمٌ يراود كل إنسان، تتخذ أشكالاً مختلفة: منصب رفيع، إنجاز علمي، نجاح تجاري، أو حتى لحظة اكتمال ذاتي في رحلة الحياة. غير أن الوصول إليها ليس طريقاً واحداً، بل مفترق يضع المرء أمام خيارين واضحين: إمّا أن يبني صرحه بجهده، أو أن يهدم ما حوله ليبدو أعلى.
منذ زمن بعيد قرأت مقولة علقت في ذهني: لديك طريقتان ليكون لديك أعلى مبنى؛ إمّا أن تبني أعلى من غيرك، أو أن تهدم ما حولك. وكلما تأملت في حكايات النجاح من حولي، أدركت أن هذه العبارة ليست مجرد صورة بلاغية بل مرآة تعكس طبيعة الخيارات التي نصنعها يوماً بعد يوم.
الطريقة الأولى هي طريق البناء، فيها يتحول الطموح إلى لبنة والإرادة إلى طابق يعلو فوق آخر، من يختارها يراهن على نفسه لا على غيره، ويؤمن أن ارتفاعه لا يحتاج إلى تقويض الآخرين بل إلى إضافة جديدة تصنع الفارق. هؤلاء الناجحون يدركون أن القمة لا تُكتسب من خراب محيطهم بل من جهد متواصل وصبر طويل.
أما الطريقة الثانية فهي طريق الهدم، قد يبدو أسهل وأسرع لكنه طريق هشّ يقوم على تدمير لا على بناء، من يختاره يعيش في وهم التفوق، لأن المقارنة هنا ليست بين بناءين شامخين، بل بين بناء قائم وأطلال مهدومة، والنجاح المبني على سقوط الآخرين لا يصمد طويلاً فهو أشبه بمن يقف على قمة تلّ من رمال متحركة.
محيطنا اليوم يعرض أمامنا هذين الطريقين في كل ساحة: في المؤسسات، في المنافسة المهنية، بل وحتى في العلاقات الإنسانية والدولية. بعضهم يبني بتواضع وصبر وبعضهم يفضّل أن يهدم بغيرة وحسد، والمفارقة أن التاريخ لم يذكر أحداً صعد بالهدم لكنه خلد أسماءً بنت وأثرت وتركت أثراً يتجاوز عمرها.
فالنجاح الأصيل ليس في أن تكون أعلى من غيرك بل أن تظل شامخاً بما تبنيه، وهو أشبه بالشجرة: جذورها تضرب عميقاً في الأرض لتقف ثابتة، لا لتخنق ما حولها، بل لتظل تعطي ظلاً وثمراً على مر الزمن، فالأغصان التي تمتد نحو السماء لا تحتاج إلى سقوط جيرانها لتبدو عالية، بل تكفيها قوة الجذور وصدق العطاء.