كل عمل عظيم أو مفيد أو جميل كان في الأصل فكرة حظيت بآذان صاغية.. البعض يعتقد أن الفكرة الجيدة لا تأتي إلا من متخصص أو عبقري أو مستشار خارجي ندفع له مئات الآلاف من الدنانير ليقدم لنا أفكاراً كانت في الأصل في ذهن موظف أو صديق أو متعامل.. ولهذا نجد أن الشركات تنفق مبالغ طائلة لتحسين خدمة استقبال الشكاوى والاقتراحات، لعلها تظفر باقتراح مجاني يدر عليها أموالاً أو يوفر أخرى كانت تُهدر دون داعٍ.
أذكر أنني قرأت أن مضيفة اقترحت على خطوط طيرانها أن يستغنوا عن الزيتونة الوحيدة في طبق السلطة، لأنها لاحظت أن معظم الركاب لا يتناولونها، فوفرت باقتراحها على الشركة نحو 40 ألف دولار أمريكي كانت تُهدر في عام واحد، والمفارقة أن أحداً لم يشتكِ! ليس هذا فحسب، بل إن فكرة الطائرة والسيارة والصاروخ والغواصات والآبار المائية والجسور العملاقة والباراشوت كلها كانت اقتراحات وجدت آذاناً صاغية، وحتى فكرة الدولة المدنية بمؤسساتها وحكوماتها وجمعيات النفع العام فيها، والديمقراطية نفسها وممارسة التعددية، كانت في بدايتها مجرد أفكار شفهية طُبقت على أرض الواقع، فبرزت مميزاتها وحتى عيوبها، لأنها مُنحت فرصة التجريب.
وهذه حال الاقتراحات عموماً التي لا يجب أن نئدها لمجرد أن أحداً لم يجربها من قبل.
أحياناً تقترح اقتراحاً بسيطاً، لكنك تُفاجأ بالموافقة على تطبيقه.
ربما كما اقترح اللاعب الألماني الشهير بكنباور، أن يجتمع لاعبو كرة القدم عقب انتهاء المباراة ليتصافحوا كنوع من تخفيف حمى العنف التي تجتاح الملاعب، والتي صارت تحصد عشرات الضحايا.
كان اقتراحاً لقي آذاناً صاغية من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الذي قرر تطبيقه في نهائيات كأس العالم عام 2014.
وليس هذا فحسب، فكل تطور في هذه اللعبة الشعبية وغيرها كان في الأصل فكرة نالت استحسان المستمعين من المسؤولين فتفاعلوا معها وطبقوها.
واتحاد كرة القدم نفسه كان فكرة لقيت تجاوباً، فانتشرت اللعبة في الأحياء الشعبية في أرجاء المعمورة كافة.
ولكي تصل إلى اقتراح مهم في مشروعك الصغير، لا تحتاج إلى أموال أو جيش من موظفي خدمة المتعاملين، لأن بإمكانك ببساطة أن تفعل ما فعله مطعم الشاورما الصغير الذي رأيته في الكويت، يعلق لافتة كبيرة كتب فيها: للشكاوى والاقتراحات، ووضع رقم جواله.
لم يتعذر بضيق وقته أو انشغاله عن الوجود في المطعم، بل أراد أن يكون على اطلاع بما يجري في مشروعه الصغير.
شخصياً لدي في هاتفي قائمة بالأفكار التي أستوحيها مما أشاهده أو أسمعه، سواء في حواراتي أو عبر الهاتف أو التلفاز أو المذياع، وعندما أتصفح إلكترونياً هذه القائمة بين حين وآخر أُذهل من حجم وأهمية الأفكار الجميلة والمفيدة لي ولمجتمعي.. وعليه فإنني أدون أحياناً أفكاراً تفيد شخصيات عامة، مثل وزراء أو نواب في البرلمان، أو نجوم فاعلين في المجتمع، فأرسل إليهم بريداً إلكترونياً أو أهاتفهم لأنقل ما في ذهني.. وبهذه الطريقة أضمن أن اقتراحاتي أو اقتراحات أصحابها قد وصلت إلى المعنيين، فصار الخير يجري في المجتمع.
كلما سمعت اقتراحاً أو تبادر إلى ذهنك فكرة جيدة من بنات أفكارك، لا تحبسها، لأننا بنقل المقترح لمن يحتاج إليه تنتهي مسؤولياتنا، ويقع على عاتق الآخر مسؤولية التفاعل مع ما سمعه.. ولحسن الحظ فإن الفكرة الجيدة لا تموت.