في ظل التحولات الإدارية والتقنية المتسارعة التي يشهدها العالم، لم يعد قياس الإنتاجية مجرد أداة للحوكمة التنظيمية الرشيدة، بل أصبح عنصراً استراتيجياً حاسماً يميز الحكومات الرصينة عن غيرها.
فالمؤسسات الحكومية لم تعد تقاس قيمتها بمدى التزامها بالإجراءات أو تطبيقها للقوانين فحسب، بل بقدرتها على تحقيق نتائج ملموسة تحدث فرقاً في حياة الناس، وتدعم استدامة التنمية.
في دبي، حيث تتصدر الريادة والابتكار في العمل الحكومي، يمثل قياس إنتاجية القوى العاملة خطوة عملية لتطبيق مفهوم «الإدارة القائمة على القيمة»، مع تحويل الموارد البشرية إلى محرك أساس للنجاح المؤسسي والتميز المستقبلي.
إنتاجية القوى العاملة ليست مؤشراً رقمياً فحسب، بل هي انعكاس مباشر لقدرة المؤسسات على تحويل المهام والموارد إلى نتائج ملموسة ينعكس أثرها الإيجابي على عموم أفراد المجتمع.
قياس هذه الإنتاجية يوفر منصة انطلاق علمية وعملية للقيادات الحكومية، تساعد على اكتشاف وتشخيص الفجوات، وتحقيق توزيع موضوعي للمهمات، إلى جانب تعزيز كفاءة الأداء، بما يضمن قيام كل موظف بتقديم أقصى ما يمكن من مجهودات لتحقيق نتائج ذات قيمة حقيقية.
التحدي يكمن في الانتقال من ثقافة أداء المهام النمطية إلى ثقافة تحقيق القيمة، في هذه الحالة يصبح الأداء مؤشراً للمساءلة والابتكار والتحسين المستمر.
ففي دبي لا تتعلق الإدارة الحكومية فقط بتنفيذ الخطط، بل بقياس أثر هذه الخطط على جودة الخدمات العامة، وسعادة الجمهور، ورضا المجتمع، والاستثمار الأمثل في الموارد البشرية، بما يعكس التفوق المؤسسي والريادة في العمل الحكومي.
القرار رقم (67) لسنة 2025 الذي أصدره سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، بشأن نظام قياس إنتاجية القوى العاملة في حكومة دبي، يعكس هذه الرؤية بوضوح.
فهو لا يمثل مجرد إطار تنظيمي، بل خطوة نوعية لترسيخ ثقافة الأداء المبني على النتائج، وضمان أن كل جهد موظفي الحكومة يقود إلى تحسين الخدمات، وتعزيز الكفاءة، وتحقيق عائد ملموس من استثمار الموارد البشرية.
كما يضع دبي في طليعة الحكومات العربية والدولية التي تعتمد قياسات علمية رصينة لتطوير رأس المال البشري، وتحفيز التفكير الإبداعي والقدرة على الابتكار؛ وصولاً إلى دعم الإنتاجية المؤسسية.
كما أن قياس إنتاجية القوى العاملة يوفر قاعدة علمية دقيقة لاتخاذ القرار، فبدلاً من الاعتماد على الانطباعات أو التقييمات الشخصية، يتم الاستناد إلى بيانات ومؤشرات موضوعية تعكس الأداء الحقيقي.
وهذا بدوره يساعد في تطوير السياسات الحكومية، وتحسين فعالية الإنفاق على الموارد البشرية، وربط الأداء الفردي والجماعي بالأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، بما يحقق التكامل بين الأداء المؤسسي والأداء الحكومي العام.
قياس الإنتاجية يسهم أيضاً في تعزيز العدالة الوظيفية، وربط الأداء بالمكافأة والتحفيز، وخلق بيئة عمل تشجع على الابتكار، والالتزام، وروح المبادرة، فهو يمنح كل موظف صورة واضحة عن أثر مساهمته، ويحفزه على تطوير مهاراته باستمرار، وهو ما يعكس جوهر ريادة دبي في الأداء الحكومي المرتكز على توظيف مبادئ الكفاءة والفاعلية لمصلحة النتائج.
ختاماً نقول، إنتاجية القوى العاملة في دبي ليست مجرد أرقام أو بيانات، بل هي حجر الأساس للتميز المؤسسي وريادة الأداء الحكومي.
وقرار المجلس التنفيذي لإمارة دبي يؤكد أن الابتكار في الإدارة ليس خياراً، بل ضرورة استراتيجية، وأن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستدامة والكفاءة وجودة الخدمات، وصناعة نموذج حكومي رائد يُحتذى به عالمياً.