يبحث الإنسان عن السعادة منذ الأزل، في المال تارة، وفي الجاه تارة أخرى، وفي السفر والمقتنيات والعلاقات. لكن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون، أن السعادة ليست شيئاً يُشترى أو يُكتسب، بل هي حالة نفسية تنبع من الرضا الداخلي. فالرضا بالمقسوم، هو المفتاح الذي يفتح باب الطمأنينة، ويغلق أبواب المقارنة والحسد والقلق.

من يرضَ بما كتب الله له، يعِش في راحة لا تُقاس. فالقلب الراضي لا يحمل حقداً على أحد، ولا يرى في النقص نقصاً، بل يرى في كل ما يحدث حكمة ورحمة خفية. بالتأكيد، الرضا لا يعني الاستسلام أو الكسل، بل هو القبول بما هو مقدّر بعد بذل الجهد، والإيمان بأن العطاء والمنع كلاهما خير من الله. فكم من إنسان لم يحقق ما أراد، لكنه نال ما هو أفضل مما كان يتمنى، لو صبر وانتظر.

في المقابل، من عاش يقارن نفسه بغيره، لن يعرف طعم السعادة أبداً. سيظل يرى ما عند الآخرين ولا يرى ما عنده، فتغيب عنه النعم التي يعيشها كل يوم. لذلك قيل: «القناعة كنز لا يفنى»، لأن من عرفها امتلك سرّ السعادة الحقيقية، ومن فقدها ظل يلهث وراء سراب.

وفي مجتمعنا الحديث، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتكثر المغريات، أصبح الرضا عملة نادرة. لكن تذكير النفس بأن كل إنسان له نصيبه الذي اختاره الله له بحكمة، يخفف الكثير من همومنا. فلو تأملنا قليلاً، لوجدنا أن الرضا بالمقسوم، يمنحنا سكينة تعادل ثلاثة أرباع السعادة، ويبقى الربع الأخير في شكر النعمة، والسعي لتحسين الذات، دون طمع ولا سخط. إن السعادة الحقيقية ليست في أن تملك كل ما تريد، بل أن تحب ما تملك، وتؤمن أن ما كتبه الله لك، هو الأفضل دائماً.