كشف علم الأعصاب أن الانطباع الأول ليس وهماً اجتماعياً كما يعتقد البعض، بل استجابة عصبية واقعية تحدث في أجزاء من أدمغتنا، فتلك الأحاديث القصيرة أو ذلك الموقف العابر مع شخص نراه للمرة الأولى ينطبع في أذهاننا، وهو ما أكدته دراسة علمية نشرتها مجلة العلوم عن علماء أعصاب، من جامعة نيويورك وجامعة هارفارد الأمريكيتين، اكتشفوا أنهم حينما منحوا المشاركين في الدراسة عرضاً مختصراً profile عن أشخاص لديهم صفات شخصية مختلفة personal traits تولدت لدى المشاركين أحكاماً مبدئية عن تلك الشخصيات الافتراضية، وساعد ذلك وجود صور للشخصيات الوهمية مع كلمات إيجابية تصفهم مثل «ذكي» وما شابهها وأوصاف «سلبية» مثل «كسول» وغيرها.
فتبين من أشعة الرنين المغناطيسي MRI أن نشاطاً كبيراً يحدث بالفعل في دماغ المشاركين في منطقتين أثناء لحظات توليد الانطباع الأول.
المنطقة الأولى الخاصة بتفسير المشاعر، والمنطقة الثانية الواقعة في مؤخرة الدماغ المتعلقة باتخاذ القرارات الاقتصادية مثل تقييم الجانب الاقتصادي للأمور التي نتطلع إلى شرائها.
وهذا يتماشى مع نتائج تمرين أجريه باستمرار في دوراتي التدريبية وهو فقرة أعرض فيها صوراً لأشخاص من دون نصوص، ثم أطلب من المشاركين أن يصفوا كل واحد منهم بكلمة أدونها على السبورة في خانة كلمات سلبية وأخرى إيجابية، ثم أفاجأ بأن معظم المشاركين لا يتفقون على وصف موحد للشخص، بل أحياناً أجد كلمات متناقضة كلية، كأن يصف مشاركون امرأة مسنة بأنها «لئيمة» في حين يصفها آخرون بأنها «طيبة»! والأمر ليس له علاقة بما إذا كان المشارك ذكراً أم أنثى.
وتبقى هذه الاختلافات في ردود الأفعال لتؤكد أننا لا نتساوى بالضرورة في انطباعاتنا الأولية.
وهذا ما يجرنا لمسألة في غاية الأهمية، وهي ضرورة عدم التسرع في إطلاق الأحكام على الشخص قبل مضي وقت معقول من الاحتكاك به، فما ينقله الموظفون لنا عن زميلهم، مثلاً، ربما يكون مدفوعاً بمشاعر غيرة أو حسد أو محاولة تشتيت انتباهنا عن قصورهم في أمر ما، كما أنه ليس من المنطقي ولا من المعقول أن أحقد أو أكره شخصاً لأنني لم أرتح له من النظرة الأولى، ألا يستحق الآخرون منحهم فرصة لإثبات شخصيتهم الحقيقية؟
وعن تجارب عملية مع جنسيات شتى من الشرق والغرب، أستطيع القول بأنني شهدت أعداداً ليست قليلة من الناس لا يتحلون بالمقدرة على التعبير عن أنفسهم أو أفكارهم، وكثيراً ما يخفقون في انتقاء كلماتهم فيساء فهمهم.
إن الإنسان الحكيم هو الذي يقيس غيره بمقدار عمله، وليس بانطباعات ظاهرية أو موقف عابر.
صحيح أن دراسة سابقة أظهرت أن «الناس تتولد لديهم انطباعات صحيحة نسبياً وبصورة مستمرة، بناء على ملاحظات سريعة لا تتعدى نصف دقيقة»، لكن هذا الواقع المر لا يعني استحالة محاولة تغييره.
وما كنا نظنه إحساساً عابراً تجاه الآخرين كشف العلم حقيقته في أدمغتنا.