على الرغم من الإيمان العميق بقيمة الفرد المبدع في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إلا أنه يربط على نحو وثيق بين الفرد والجماعة من خلال فكرة «فريق العمل»، التي هي واحدة من الأفكار المركزية في فكره وتفكيره وكتاباته وأحاديثه، وحين يسأل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن السر في كثرة إنجازاته وتميزها كان يربط فوراً بين تميز القائد وتميز الفريق الذي يعمل معه، وفي كتابه الرائع «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، خص فكرة فريق العمل بحديث عميق التفاصيل، حيث رد في بداية حديثه الشبهة القائلة: «العرب جيدون كأفراد وسيئون كفريق ولهذا يعانون من تخلف الإدارة وضعف المؤسسات»، وهو تعميم ظالم بحسب عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي بدد هذه الشبهة بأن العرب أبناء حضارة مزدهرة أسهمت بكفاءة واقتدار في رفد الحضارة الإنسانية بأروع المنجزات والأفكار والعلوم، ومعلوم أن الحضارة هي ثمرة جهد جماعي مشترك ومستحيل إنجازها من خلال أفراد متفرقين، ثم ضرب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مثلاً من الحاضر القريب عن نجاح فكرة الفريق من خلال حديثه عن فريق الصيد في رحلات الغوص بحثاً عن اللؤلؤ في الإمارات، وكيف أن تلك الرحلات كانت مثالاً جيداً لفكرة الفريق؛ فلكل فرد عمل محدد يقدمه في الوقت المناسب بأفضل أداء ممكن. إن تعاون الجميع شرط أساسي لتحقيق هدف العودة بمحصول جيد، أما الفردية فكانت تعني الخسارة وربما الهلاك، لذا فإن الفريق قوة أساسية وراء كل عمل كبير.

تأسيساً على هذه الفكرة الراسخة في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، جعل سموه الدرس السابع عشر من دروس كتابه الثمين «علمتني الحياة» حديثاً حول هذه الفكرة، حيث منحه عنواناً دالاً على ذلك هو «وراء كل قائد عظيم فريق عظيم»، افتتحه بقوله: «عندما يسألني الناس عن الإنجازات التي تحققت أقول دائماً: إنها ليست إنجازاتي أنا وحدي، بل إنجازات فريق كامل كان ورائي، يعمل معي ويؤمن برؤيتي ويكمل مسيرتي»، لتكون هذه الكلمات من لدن سموه ترسيخاً لقيمة الفريق في رؤيته التنموية الرائدة، فعلى الرغم من تحمله لكامل المسؤولية في اتخاذ القرارات إلا أن تنفيذ هذه الرؤى لا ينهض به إلا فريق متجانس مبدع يستلهم رؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وتتشكل ضمن قناعته الروحية والأخلاقية لكي يضمن استمرارها، وهذا التنويه من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقيمة الفريق يزيده وضوحاً في عبارته التالية من هذا الدرس العميق، حيث يقول: «فالنجاح لا يُصنع بيد واحدة، بل بأيدٍ كثيرة تعمل بتناغم، وبعقول وقلوب تشترك في الهدف ذاته».

بعد هذه المقدمة الرائعة التي مهد بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للحديث عما علمته الحياة من دروس القيادة والفريق العامل مع القائد، تحدث سموه عن فلسفة القيادة ومواصفات القائد الناجح، حيث يقول: «علمتني الحياة أن القيادة ليست منصباً ولا لقباً، بل مسؤولية يومية تترجم في كيفية اختيار الفريق وتمكينه وإطلاق طاقاته.

القائد الحقيقي لا يقاس بما أنجزه بمفرده بل بما أنجزه مع فريقه»، ولا أدري كيف ستكون مشاعر العاملين في فريق صاحب السمو وهم يقرؤون هذا الكلام، وأي وسام يمكن وضعه على الصدر أشرف من هذا الوسام الذي هو فوق كل تكريم، وهذا هو دأب القائد الكبير، لا يحتجز كل الأمجاد لنفسه بل يعطي كل ذي حق حقه، ويعبر عن سعادته واحترامه واعتزازه بهذه النخبة التي تشرفت بالعمل مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وفازت بثقته وتقديره.

واستكمالاً للحديث عن أهمية الفريق في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يواصل سموه الحديث قائلاً: «صناعة الفريق هي الاستثمار الأعظم الذي يمكن أن تقدمه لوطنك ومؤسستك، فالفريق القوي لا يحافظ على النجاح فحسب، بل يخلق دورة مستمرة من النمو، ويضمن أن الرؤية لن تنتهي برحيل القائد، بل ستكبر وتزدهر مع الأجيال التي تليه»، ففي هذا الجزء من كلام سموه استشعار كبير لأهمية بقاء الفريق، وأن وجوده ضرورة وطنية، لأنه هو الذي يتحمل أعباء تنفيذ الرؤية مهما كانت طويلة المدى، وهذا يعني أن فكرة فريق العمل ليست فكرة استعراضية، بل هي الجذر العميق السليم للعمل الدؤوب، وهو أمر يكشف عن عمق النظرة التي يتمتع بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بخصوص فكرة الفريق وضرورة استدامتها والحفاظ عليها مهما كانت الظروف.

وفي غمرة الانشغال بالحديث عن أهمية الفريق وضرورة وجوده الدائم يتحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن السؤال الأهم للقائد، حين يقول: «علمتني الحياة أن السؤال اليومي الأهم للقائد ليس ما هو أفضل عمل أنجزه اليوم، بل من اختار لإنجاز العمل الأفضل»، ويعلل سموه هذه الفكرة بقوله: «القائد الحقيقي شغفه اليومي بناء الفريق القيادي، لأننا قبل أن نبني مؤسسات نبني أشخاصاً تقوم عليهم المؤسسات والمجتمعات والأوطان»، وتذكرنا هذه الفكرة بما كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في الدرس العاشر من هذا الكتاب، حين قال بإحساس مفعم بالحب والشجن: «نعم سأذهب من دون شيء، ولكن سأترك قيادات عملت على صناعتها، ومواهب من الشباب استثمرت في بنائها».

وربما تبادر إلى الذهن أن هذا الفريق هو فريق تقني فحسب، يعمل على التنفيذ دون التسلح برؤية أخلاقية في العمل، لكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يبدد هذا الظن حين يؤكد التلازم الوثيق بين المهارة والأخلاق حين يقول: «علمتني الحياة عند اختياري للفريق التركيز على الأخلاقيات والمهارات معاً، والأخلاقيات هي الأهم، لأنه لا يوجد أسوأ من الموهوب عديم الأخلاق»، وتزداد الصورة وضوحاً في كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حين يركز على الأخلاق التي يتم غرسها في بيئة العمل، لأن الفريق المميز بحسب كلام سموه قد تجذبه في البداية المزايا الوظيفية، لكن ما يبقي جذوة نشاطه وشغفه مشتعلة هي القيم التي ترسخها بيئة العمل. وهذا فهم متقدم لثنائية المهارة والأخلاق يسبق به سموه كثيراً من النظريات التربوية التي تتحدث عن العوامل التي تضمن بقاء الشغف والدافعية لدى فرق العمل في جميع المسارات.

إن فكرة فريق العمل في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ليست فكرة مرحلية لحل مشكلة قائمة وإنجاز مشروع يحمل بعض التحديات، بل هي فكرة تنظر إلى المستقبل وتخطط دائماً لمواصلة السير، وهو الدرس الذي عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقوله: «علمتني الحياة أن أختار فريق عملي لا لحل التحديات الحالية فقط، وإنما لتصميم وبناء الإنجازات المستقبلية، أحدد لهم الوجهة فقط، ويكونون من الذكاء والحنكة ليخبروني ماذا سيفعلون لكي نصل».

وبالربط بين الصواب في تشكيل الفريق والنجاح في طبيعة الإنجاز يختتم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذا الدرس بقوله: «علمتني الحياة أن كل إنجازاتنا الحالية هي نتيجة قراراتنا السابقة الخاصة بتشكيل فرق عملنا، الخطأ في اختيار الفريق قد يكلفنا سنوات من التأخر، والآلاف من الفرص الضائعة».