أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، في حديث تلفزيوني، أمس، أن جماعات معينة تعمل على تغيير قوانين الجمهورية، وكان المسؤول الفرنسي يعلق على تقرير مثير وكثر الجدل بشأنه طوال الأسبوع الماضي. وكان تقرير فرنسي رسمي أشار إلى أن جماعة الإخوان تهدد تماسك المجتمع الفرنسي، وطالب الحكومة باتخاذ إجراءات للحد من انتشار ما يعرف بـ «الإسلام السياسي»، من أجل تقليص تأثيره على المجتمع الفرنسي.
وقد أثار هذا التقرير الصادم جدلاً كبيراً داخل الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، وكشف مدى التغلغل الشامل لجماعة الإخوان في مختلف مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية والتعليمية والمالية للمجتمع الفرنسي، ويطرح تقرير الإخوان والإسلام السياسي في فرنسا فكرة وجود تهديد حقيقي لقوانين الجمهورية، من خلال اعتماد آليات متعددة تتراوح بين إعادة الأسلمة، والانفصالية، وأحياناً التخريب، بهدف تحقيق اختراقات واسعة النطاق وزعزعة استقرار الجمهورية الفرنسية.
واعتبر التقرير أن تنظيم الإخوان خطط على مدى 40 سنة لوضع اليد على المجتمع الفرنسي من خلال نشاطاته في المنظمات الأهلية والجوامع والمدارس، مستغلاً في ذلك قوانين البلد المضيف التي توفّر هوامش كبيرة للحرية.
وإذا كانت هذه هي مخاوف الفرنسيين والغرب عموماً، فإن نوايا وأهداف التنظيم الإخواني واضحة للغاية، وتتمثل في خلق قاعدة نفوذ متقدمة في فرنسا والولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، من أجل توظيفها سياسياً للضغط على حكومات دولهم بما يسهل وصولهم إلى الحكم والتمكن منه.
وبقطع النظر عن صحة بعض الخلاصات الواردة في التقرير، فإنه يكشف لأول مرة خطة الإخوان الجهنمية في توفير أسباب الوصول إلى السلطة والحكم في بلدانهم، وذلك من خلال استغلال حركة الإخوان الكثافة العددية للمهاجرين العرب والمسلمين في مختلف الدول الغربية والضغط عليها ومن خلالها على هذه الحكومات الغربية، لخلق السند الدولي السياسي في صراعها المحموم والدائم من أجل الوصول إلى السلطة في بلدانها، وهو سلوك ثابت في سياسة الإخوان، ومخطط له بما لا يدع مجالاً للشك وذلك منذ حِقب، وليس وليد التضييقات الوقتية على عمل الإخوان في بلدانهم الأصلية كما يدّعون ذلك.
ويعتمد هذا السلوك الثابت في سياسة الإخوان على آليات معلومة أتى على بعضها التقرير الفرنسي ومن ذلك سرية العمل، وازدواجية الخطاب، والانضباط لقواعد التنظيم، والرضوخ للأمر الواقع حتى الوصول إلى مرحلة التمكن، والترويج لمنطق الضحية.
ولعل أهم الآليات الإخوانية المعتمدة هي خلق حالة التضاد الحضاري التام بين المهاجرين المسلمين والمجتمعات الغربية التي تحتضنهم، بما يؤدي تدريجياً إلى شكل من أشكال الصدام الحضاري، قوامه وجود تضارب تام بين المسيحية والإسلام، واللجوء إلى العنف والإرهاب إذا اقتضى الأمر ذلك، وهي المغالطة الأولى. وفي الحد الأدنى توفير الشروط الضرورية لتشكل مجموعات منغلقة على ذواتها ومنفصلة بالكامل عن المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه، وذلك لمنع أي عملية اندماج فيه.
إن هذه المغالطة الأولى هي امتداد منطقي لمغالطة أكبر، وهي أن حركة الإخوان حاولت منذ نشأتها وعلى مدى تاريخها، تحويل الخلاف السياسي معها إلى خلاف مع الإسلام، وهو ما مكّنها ويمكّنها من احتكار التحدث باسم الدين، وهذا من باب التحيّل السياسي الذي هو جزء لا يتجزأ من سلوكيات الجماعة الإخوانية وجماعات ما يسمى الإسلام السياسي عموماً.
إن المغالطة والتحيّل السياسي هما من الآليات الأساسية لعمل جماعات الإخوان والإسلام السياسي، ولم تكن هذه الجماعات لتقدم المصلحة الدينية وإعلاء مكانة الإسلام كما هو الادعاء، ولا هي في رحلة البحث عن مصالح المسلمين، وإنما الهدف الإخواني الأسمى هو توظيف القانون والأخلاق وكل مقدرات المجتمعات من أجل الوصول إلى الحكم وبكل الطرق، وتنسى هذه الجماعات أن التحايل والمغالطة هما بداية الطريق إلى جهنم وبئس المصير.