في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم العربي وفي ظل الحاجة لتنويع مصادر المعرفة والثقافة، تظل الصالونات والمجالس والديوانيات الثقافية من أبرز الفضاءات التي تغذي الوعي وتكرس قيم الحوار وتعزز الانتماء للهوية الثقافية والهوية الوطنية. فهي ليست مجرد لقاءات اجتماعية بل منصات فكرية حية، تجمع المهتمين بالأدب والفكر والفنون والتراث وتفتح آفاقاً للتبادل المعرفي بين الأجيال.
لقد كان لهذه المجالس على مرّ العقود دور كبير في نشر المعرفة، وتكريس قيم التفاعل الحضاري. وقد شهدت مختلف الدول العربية تجارب غنية في هذا السياق. ففي الإمارات برزت مجالس ثقافية نشطة مثل «مكتبة محمد بن راشد» التي تحولت إلى مركز دائم للنقاش والمعرفة.
ومؤسسة العويس الثقافية التي تتنوع أنشطتها على مدار العام، وندوة الثقافة والعلوم بنشاطها الطويل في مجال الندوات والمحاضرات. والمجمع الثقافي بأبوظبي، والذي يضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأنشطة الثقافية التي تحتوى على الصالونات الأدبية والأمسيات الشعرية والمحاضرات.
وطبعاً دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة التي يتنوع نشاطها الثقافي في الكثير من مناحي الفنون والثقافة. واتحاد كتاب الإمارات بفروعه المنتشرة في الإمارات، ونادي الصحافة بدبي و«صالون السيدة أسماء بنت صقر القاسمي» الذي ساهم في تعزيز الحوار الثقافي بين الأجيال. كما أن المجالس الرمضانية التي تُنظم في أبوظبي ودبي والشارقة أصبحت منصات سنوية للحوار الثقافي والفكري. وأيضاً مركز ديرة الثقافي الذي يساهم بين الحين والآخر بنشاطات نوعية تسهم في الحراك الثقافي المحلي.
وفي الكويت، تُعد ديوانية عبدالعزيز سعود البابطين نموذجاً رائداً في تعزيز الحراك الثقافي الخليجي والعربي، إلى جانب ديوانيات أدبية متخصصة تُعقد في البيوت والمكتبات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك فإن المجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت له دور حيوي في إثراء الساحة الثقافية هناك.
أما في مصر، فقد اشتهر «صالون مي زيادة» منذ أوائل القرن العشرين، وتلاه العديد من الصالونات الأدبية مثل صالون «علاء عبدالهادي» و«اتحاد الكتاب» و«صالون شريف الشوباشي» التي لا تزال تقدم مساهمات قيمة في المشهد الثقافي المصري. ناهيك عما يقوم به المجلس الأعلى للثقافة والفنون من أنشطة ثقافية ومعرفية متعددة.
وفي الأردن، يبرز «منتدى عبدالحميد شومان الثقافي» و«المنتدى الثقافي في إربد» وهي مؤسسات تحتضن الإبداع وتسهم في تنشيط الحركة الثقافية. وفي المغرب، تتألق مبادرات مثل «صالون فاطمة المرنيسي» و«صالون الرباط الثقافي» التي تجمع بين الأدب والتراث والتجديد.
إن استمرار هذه المجالس والصالونات والمؤسسات الثقافية وتطويرها بدعم من المؤسسات الرسمية والأهلية، يعزز من حيوية المشهد الثقافي العربي ويسهم في بناء مجتمع أكثر تفاعلاً وانفتاحاً على المعرفة والإبداع.