لم يعرف العالم الذكاء الاصطناعي بمعناه الراهن في عهد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لكن إرثه في تأهيل أبناء الوطن وحكمته الاستشرافية أسست وطناً جاهزاً ومؤهلاً للتعامل مع المتغيرات التقنية وبناء بنية تحتية رقمية ومعرفية تقوم عليها اليوم ثورات التكنولوجيا.

كان الشيخ زايد بن سلطان، يؤمن بأن «العلم هو الثروة الحقيقية التي يجب على الأبناء أن ينهلوا منه، لأن المال لا يدوم ولأن العلم هو أساس التقدم». هذه المقولة تختزل فلسفته في أن المستقبل ملك لمن يملك المعرفة، وهي الفلسفة التي تمثل قاعدة الذكاء الاصطناعي.

رأى القائد المؤسس أن الاستثمار في التعليم والتقنية هو السبيل لمواجهة التحديات. وشدد على أن «العلم ليس على الورق فقط وإنما يلزمه الخبرة والممارسة، وتطبيق هذا العلم في الحياة والواقع ومعايشة الرجال. كيف يمكن أن يكون العلم على الورق دون الممارسة العملية واكتساب الخبرة؟». وفي هذا السياق يمكننا أن نربط مقولته بضرورة أن يقترن الذكاء الاصطناعي بالواقع العملي لخدمة الإنسان لا أن يبقى مجرد نظرية أو خوارزمية.

كان المؤسس واعياً للتغيرات العالمية السريعة، فقال: «إن العالم يسرع الخطى الآن نحو المدنية والتقدم، وهو يتطلع إلينا ليرى كيف سنواكب هذا التقدم ونلحق بركب الحضارة. إن العالم يريد أن يعرف كيف ستواجه الدولة الفتية مسؤولياتها، وكيف ستعبر الطريق. وأنا أقول لكم: إن هذا هو واجبكم بالدرجة الأولى، واجبكم هو أن تعكسوا الوجه المشرق لدولتنا الفتية». واليوم، ونحن نعيش ثورة الذكاء الاصطناعي، تبدو كلماته كأنها موجهة لجيلنا، تدعونا إلى عدم الاكتفاء بالاستهلاك بل المشاركة الفاعلة في صناعة المستقبل الرقمي.

كذلك، شدد القائد المؤسس على أن «علينا الآن أن نخطط في ضوء التقدم الذي تشهده البلاد في الأعوام القادمة، وفي ضوء كل العوامل المحيطة». التخطيط هنا لا يقتصر على البناء العمراني، بل يمتد إلى بناء أنظمة رقمية، وحلول ذكية، ومجتمع قادر على الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد والتعليم والصحة.

لقد كان الشيخ زايد ينظر إلى التنمية البشرية كأصل كل تقدم: «إن التنمية لا تكتمل بالنواحي الاقتصادية وحدها، بل تتطلب الاهتمام بالتنمية الاجتماعية للنهوض بكل فئات المجتمع وخصوصاً المرأة، لما لها من دور أساسي في تقدم الأسرة والمجتمع بشكل عام». وهذا يتقاطع مع متطلبات عصر الذكاء الاصطناعي الذي يقوم على إشراك جميع فئات المجتمع، رجالاً ونساءً، في الابتكار والتطوير.

إننا اليوم نرى ثمرة تلك الرؤية البعيدة. فالبنية الرقمية التي بنيت على يده، والجامعات ومراكز الأبحاث التي أسسها، أصبحت قاعدة انطلاق الإمارات في الذكاء الاصطناعي. ولعل أعظم ما نستلهمه هو إيمانه العميق بالمستقبل، حين قال: «نحن نأمل أن يتوج الله جهودنا في هذا السبيل بالنجاح، وأن يبرهن الاتحاد في السنوات القادمة على أنه مصدر وقوة إضافية للعالم العربي، والسلام والأمن والاستقرار في المنطقة».

بهذا الفكر الخالد، يصبح الحديث عن الذكاء الاصطناعي اليوم امتداداً طبيعياً لرؤية القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي لم يتحدث عن الروبوتات والخوارزميات، لكنه وضع الأسس: العلم، الخبرة، والتخطيط للمستقبل. وجاء من بعده قيادة وشعب، لترجمة تلك الرؤية إلى واقع عملي، حيث احتلت الإمارات مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، وأصبح هذا الوطن يحتضن الجامعات والمعاهد المتخصصة، وأطلقت أول وزارة للذكاء الاصطناعي في المنطقة، وفتحت آفاق الشراكات الدولية في مجالات البحث والتطبيق، حتى وصلت البلاد إلى أبعد حدود الابتكار الرقمي والتقني، لتغدو نموذجاً عالمياً في توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان والتنمية المستدامة.