بأسلوب فني مبتكر يقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أمام مِرآة النفس من خلال سؤال ذكيّ لأحد الصحفيين لصاحب السمو خلاصته: «إذا رأيت محمد بن راشد في سن العاشرة، ماذا ستقول له»؟ ولقد لقي هذا السؤال قبولاً حسناً في نفس سموه، وبعث في قلبه الرغبة في الإجابة عليه بعد منحه حقه من التفكير المتروّي وسطّر ذلك درساً تاسعاً من دروس الحياة التي اشتمل عليها كتابه الثمين «علّمتني الحياة» في جزئه الأول والذي يشتمل على النظرات العميقة لسموه في طبيعة الحياة والناس.

بين بداية رحلة الحياة المدهشة، والوصول إلى الغايات الكبرى في الحياة يلخص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تفاصيل المسيرة التي سيعيشها مفتوح العين والبصيرة، قوي العزيمة، متيقظ الفكر، محافظاً على الوقت، مدققاً في طبيعة الأشخاص الذين سيكونون معه في هذه الرحلة الزاخرة بالعطاء، حيث افتتح الجواب بقوله: «كنت سأنظر في عينيه وأقول له: محمد، أمامك رحلة مدهشة، مذهلة، عظيمة، وحياة مليئة، متنوعة، استثنائية» بكل هذا الوضوح وبكل هذه الشجاعة يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وصاياه لمحمد بن راشد الفتى الغض، اليانع العود، بأن أمامه حياة هي رحلة جميلة التفاصيل مليئة بكل ما هو مدهش ومذهل وعظيم، وهي حياة متنوعة التفاصيل ولا تسير على وتيرة واحدة مملة، بل هي غزيرة التنوع حتى تصل إلى أن تكون استثنائية في إشارة إلى ما ينتظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من المهمات الجسيمة والأعمال الجليلة التي سينهض بأعباء حملها حين يحين موعد الانخراط في مسيرة بناء الدولة، وإعمار الوطن.

ويواصل سموه حديثه ووصاياه لمحمد بن راشد الفتى في سن العاشرة فيقول له: «لقد جئت في الوقت المناسب، وفي الظروف المثالية، وفي المكان النموذجي، العالم ينتظرك، لقد هيأوك لأمرٍ كبير، فكن على حذر، احذر من تضييع الأوقات وتبديد الطاقات، اختر من يكون معك وحولك بعناية، لأنهم أذنك التي تسمع بها، وعينك التي ترى بها، ولكن لا تسلم عقلك لأحد، ولا تنتظر الإذن من أحد» وحين يتفطن القائد إلى اللحظة التاريخية التي جاء فيها إلى هذه الدنيا فإنه يكون حريصاً على اغتنام الفرصة، وهذا ما حصل مع سموه الذي جاء إلى هذه الدنيا حين كانت البلاد تتهيأ لأعظم ميلاد في تاريخها، ميلاد الدولة التي تحتاج إلى جهود الأبطال في سبيل ترسيخ هذه اللحظة التاريخية الحاسمة في المكان المناسب في الوقت الذي كان فيه العالم ينتظر هذا المجيء المبارك الميمون، فهو مجيء يعني الكثير بالنسبة لشخص قد تمت تهيئته لأمرٍ كبير، وأن الواجب عليه أن يكون متسلِّحاً بالحذر، حريصاً على استثمار الوقت، محافظاً على الطاقة لكي تكون في مسارها الصحيح، فلا يتمّ تبديدها فيما لا يعود على الوطن بالخير، وأن يكون نافذ البصيرة في اختيار الأشخاص الذين سيعملون معه، ويحملون أعباء التنمية الثقيلة، لأنهم سيكونون العين التي يبصر بها، والأذن التي يسمع بها، ولكن وجود هذا الفريق لا يلغي الشخصية الخاصة بالقائد، فهو يستمع لهم ولكن يبقى له قراره الخاص النابع من قناعاته، فلا يُسلّم عقله لأحد، ولا ينتظر الإذن من أحد.

«كل شيء تحتاجه مزروع فيك، أقوى ما ستملكه ستكون أحلامك، لا تتنازل عنها، ولا تتراجع، ولا تنظر للخلف، أحلامك ستكون وقود روحك، ومصدر طاقتك، وإلهاماً لمن حولك، الحياة لا يملكها إلا أصحاب القلوب القوية والأحلام الجريئة، كن جريئاً في طموحاتك، عظيماً في عزيمتك، كبيراً في أحلامك» في هذا المقطع من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ترتفع نبرة التأكيد على الطاقة الداخلية للإنسان، حيث يخاطب نفسه في تلك المرحلة المبكرة من العمر بأن كل ما يحتاجه من القيم والعزيمة والرؤية موجود في داخله بحكم الطبيعة وحكم التربية التي تلقاها عن أبوين كريمين غرسا في قلبه النابض بحب الحياة أجمل معاني التصميم والقوة، وأن الأحلام العظيمة التي تراود خياله ستكون هي أقوى محرّكٍ له في مسيرته الطويلة في بناء الوطن، وأن واجبه أن لا يتنازل عن هذه الأحلام مهما كانت التكلفة عالية، وأن لا يتراجع في طريق المسير فضلاً عن النظر إلى الخلف، فهذه الأحلام هي وقود الروح، ومصدر الطاقة، والنار التي تلوح له من بعيد لتكون مصدر إلهامٍ له وللآخرين، لأن الحياة لا يحقق أجمل ما فيها ويشعر بقيمة وجوده بين جنباتها إلا أصحاب القلوب القوية التي لا تعرف الخوف ولا التردد، وأصحاب الأحلام الجريئة التي لا تقبل بالمألوف، وهذا يعني أن يمتلك الإنسان كل حقائق الجرأة والشجاعة لتحقيق هذه الأحلام، وتجسيد هذه الطموحات في واقعٍ ملموسٍ يشهد بقوة العزيمة وشجاعة التحدي.

«محمد: كن كريماً مع الناس، عنيداً أمام الظروف، قوياً أمام العالم، تعلم أن تقول «لا دون أن تعتذر، ونعم دون أن تخاف، لأن العالم يفسح الطريق لمن يعرف ماذا يريد، لا تستمع لمن يقول لك: «كن واقعياً» وغيرها من مقولات ساقطي العزم والعزيمة، لأنهم لا يرون ما ترى، ولا يشعرون بما يشتعل في داخلك»، في هذا المقطع البديع من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يبلغ الوعي بالذات ذروته العُليا، حيث تبرز قوة الروح في مواجهة الحياة من خلال أعظم أخلاق التعامل مع الناس وهو خُلُق الكرم بكل ما يعنيه من تحمّلٍ وعطاءٍ وإيثار، ليتفرغ بعد ذلك لمواجهة الحياة مطالباً نفسه أن يكون عنيداً أمام الظروف فلا يحني لها رأساً، ولا تلين له قناة، وأن يكون قوياً أمام العالم ولا يعرف الضعف إلى قلبه سبيلاً، وأن يكون قادراً على قول «لا» دون أن يعتذر، وقول «نعم» دون أن يخاف، لأن ذلك هو دلالة الثقة بالنفس، والعالم كله يعرف مغزى هذه النبرة الواثقة فيفسح الطريق أمام كل صاحب شخصية قوية يعرف ما يريد من هذه الحياة من خلال تحديد أهدافه، والتصميم القوي على تحقيق الأحلام دون التفات إلى كلام المثبطين الذين يضعون العقبات في الطريق بحجة التفكير الواقعي؛ لأنهم لا يمتلكون العزيمة القوية التي تدفعهم إلى تحقيق الأحلام الصعبة، ولأنهم لا يرون ما يراه سموه من الأهداف البعيدة، ولا يشتعل في قلوبهم نار العزيمة التي تشتعل في قلوب الفرسان.

ثم ختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذا الدرس بقوله: «ثق في الطريق، ثق في الله، وثق أنك ستصل، لا لأنك تعرف كل شيء، بل لأنك لن تتوقف عن المحاولة، وعندما تصل ستدرك أنك عشت حياة مذهلة مدهشة رائعة».