وهي نظرات عميقة الغور في طبيعة الحياة والبشر من خلال الأفق العالي الذي ينظر منه سموه من خلال موقعه كحاكمٍ تحمّل مسؤوليّاتٍ متنوّعة منذ نحو ستّين عاماً، ومن ينظر في هذه الدروس بعين البصيرة يرى أنّ كلّ كلمة كتبها صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم هي عُصارة مُركّزة من الخبرة العملية والرؤى الصائبة.
فسموه قد فتح عينيه داخل مدرسة متكاملة تجمع بين الدراسة والمعايشة للقادة الحكماء واستلهام دروس الحياة بعين البصيرة المفتوحة على جميع التفاصيل، لتكون كلماته نبراساً يهدي الأجيال نحو أفضل الوسائل للعيش في قلب الحياة، وتحقيق أروع الإنجازات.
وربط على نحو بديع بين التقدّم الاقتصادي والحركة البشرية، وبين أنّ الاقتصاد يقوم على حركة البشر وأفكارهم ونشاطهم واستغلال طاقاتهم العظيمة الكامنة عندهم، وأنّ دور الحكومة فقط هو تنظيم هذه الحركة لا أن تكون هي الحركة، مؤكداً أنّ الدول التي حاولت أن تسيطر حكوماتها على حركة الاقتصاد أثبتت فشلها.
وأنّ ذلك الخبر السارّ قد دفع البعض للاستفسار عن السبب الكامن وراء هذا النجاح الباهر وكيف تمّ تحقيق ذلك؟ حيث أكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أنّ ذلك ليس من مردود التجارة فقط بل إنّ دولة الإمارات تستحوذ على ربع سياحة المنطقة.
وتمتلك أنشط سوق عقاري في الشرق الأوسط، وتجتذب حوالي 40% من الاستثمار الأجنبي، وتسيطر على ثلث حركة الطيران فيها، فكان طبيعيا جداً أن تكون النتائج منسجمة مع هذه الحالة الاقتصادية الناشئة من تفكير اقتصادي عميق يعمل على تحرير طاقات الإنسان وعدم الهيمنة على جميع مخرجات الاقتصاد.
أين تاريخهم المليء بالإنجاز والعمل والتفوق الحضاري والريادة العالمية؟» ولكن سموه يطوي الجواب الصريح ليقدّم جواباً ضمنياً مستخلصاً من تجربته الطويلة في الحكم حيث قال تفسيراً لذلك الواقع المؤلم:
«علّمتني الحياة وستة عقود من تجارب الحكم بأنّ البشر بطبعهم مبدعون طموحون، خلقهم الله وغرس فيهم حب التطوّر والتقدّم وعمارة أرضهم، وعلّمتني الحياة أنّك إذا أردت أن تطلق قدراتهم أعطهم حرّيتهم»، ثم فصّل سموه مظاهر هذه الحريّة بقوله:
«حريّتهم في العمل، حريّتهم في الإبداع والابتكار، حريّتهم في التنقّل، حريّتهم في الاستثمار، حريّتهم في التقاضي، حريّتهم في تأسيس الشركات»، ثم جمع ذلك كلّه في جملة حاسمة وبنبرةٍ عالية حين قال: «أعطهم حريّتهم الاقتصادية».
وأوضح صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم السبب الكامن وراء هذه الدعوة؛ فالحريّة الاقتصادية بحسب كلام سموه هي مفتاح التطوّر في حركة الأموال وحركة البضائع وحركة البشر، ليعزّز سموه هذه الفكرة الصائبة عن الحريّة الاقتصادية بكثير من الوقائع الّتي عايشها في الميدان حين ذكر أنّ الشاب يأتي إلى الإمارات .
حيث الحريّة الاقتصادية فيزهر ويزدهر ويؤسّس الشركات ويُنمّي الثروات ولم يكن يستطيع إنجاز ذلك في بلده بسبب التضييق على الحريّة الاقتصادية، ويعلّل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذا الوضع بقوله: عندما يكون الاقتصاد ملكاً للحكومة كيف يستطيع هذا الشاب أن ينافس؟ وعندما يكون الفساد ضارباً في جذور بلده كيف له أن يأمن على أفكاره وطموحاته؟
وحين تقيّده حكومته بمئات الإجراءات والبيروقراطيّات العقيمة كيف له أن يبدع؟ ويضيف سموه: «لستُ من دعاة الحريّات الّتي تؤدي إلى الفوضى السياسية وتأجيج الشعوب وخراب الدول، بل أتحدّث عن الحريّة الاقتصادية الّتي تطلق الطاقات وتحفّز على الإبداع، وتكسر القيود العقيمة أمام انطلاق الشعوب لبناء ثرواتهم وازدهارهم».
«علّمتني الحياة أنّ الحريّة الاقتصادية ليست ترفاً أو امتيازاً بل هي ضرورة لبناء المجتمعات القادرة على المنافسة، وهي أعظم من موارد الدولة الطبيعية، لأنّها الوقود الحقيقي الذي يطلق طاقات البشر»، ليرتقي صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد بهذه النظرة العميقة لمفهوم الحريّة إلى أفق الفلاسفة المعاصرين الذين يجعلون الحريّة ضرورة إنسانية نابعة من الطبيعة الإنسانية وليست شيئاً زائداً عليها، فهي من جوهر وجوده في جميع أشكالها وتجلياتها.
ثمّ كانت هذه الخاتمة الرائعة التي تلخّص كلّ ما سبق من كلام صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، وتفتح الأفق واسعاً أمام انطلاق الطاقات الإنسانية لتحقيق الذّات الحرّة المبدعة حين يقول صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، في ختام هذا الدرس الثمين من دروس الحياة: «علّمتني الحياة أنّ الأمم التي تثق بشعوبها تمنحهم حريّتهم الاقتصادية، فيثقون بها ويحقّقون لها أعظم المعجزات».