وما زال صادق الوفاء لهما؛ تنويهاً بذكرهما، ونشراً لحكمتهما، وتعميقاً لمكانتهما في العقل والوجدان، فالمؤسسون الكبار هم الذين شقوا الطريق نحو الازدهار لهذا الوطن الطيب المعطاء، وهم الذين رسخوا هذه النظرة الواسعة للحياة، وفتحوا أبواب التطور بسبب نظراتهم العميقة في قوانين التقدم والازدهار.
«الخَلْقُ خَلْقُ الله، والأرضُ أرضُ الله، والرزقُ رزقُ الله، والّلي يجينا حيّاه الله»، لتكون هذه الكلمات الصادقة البسيطة مجال حكمة وتأمل في عقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي علّق على هذا الجواب البديع بقوله: «تأملتُ في هذا المقطع وفي عمق الحكمة وأنا أتأمل الواقع السياسي في العالم»، ليرصد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بعد ذلك غير واحد من مظاهر الخلل والخراب في كثير من الدول التي اعتمدت النظرة الضيقة للحياة قائلاً:
«حكومات في دول عظمى وصلت للحكم عن طريق شيطنة الآخر، وتجييش الإعلام، وتخويف شعوبهم من الغريب، مذابح في دول أخرى وتطهير طائفي بسبب الصراعات مع المختلف فكرياً أو دينياً، قوانين جديدة في الكثير من الدول المتقدمة للحد من هجرة الآخر المختلف عرقيّا أو دينياً أو ثقافياً»، ليعود سموه بعد ذلك إلى حكمة الشيخ زايد قائلاً: «ما أعظم وأعمق حكمة الشيخ زايد رحمه الله».
«إذا غادر المستثمر دبي هل سيأخذ المباني معه لبلده أم ستبقى في دبي نستفيد منها ويستفيد منها الاقتصاد؟» فكان هذا السؤال المقنع من الشيخ راشد خير دليل على عمق نظرته للحياة، وأن الأوطان لا تنمو بالتحيز الشديد للذات بل بالانفتاح على الآخر، والاستفادة من كل الطاقات في حدود مصلحة الوطن ومنفعة أبنائه.
فهذه بغداد كانت حاضرة العالم حين كانت تستوعب جميع الثقافات والحضارات والأديان، ويجد كل إنسان فيها مجالاً للإبداع وتسخير ما لديه من طاقة وأفكار وأموال، ثم كانت بعدها الأندلس التي بلغت أرقى النماذج الحضارية في العمران والبناء والثقافة ونشر المعرفة.
وكانت هي الوسيط بين اليونان والغرب الحديث، وكيف أنها استوعبت جميع الأعراق والثقافات والأديان، وكيف أن أوروبا كانت أول المستفيدين من هذا الازدهار الحضاري، لكنها لم تستلهم تجربة الأندلس في التعدد والاستفادة من مواهب البشر وثقافاتهم، فنشأت فيها العصبية والعنصرية وشيطنة الآخر.
وانزلقت إلى أعظم مذبحة تاريخية ضد المسلمين واليهود فيما يعرف بمحاكم التفتيش، ما أدى إلى انهيار لحظة النور التي اقتبستها من الأندلس وسيطرة الظلمات على القرون الوسطى في أوروبا على وجه الخصوص، ثمّ ما سبق ذلك وتلاه من حروب صليبية قامت على عنصر الكراهية وبتوجيه السياسة نحو العنصرية وكان ضحيتها مئات الآلاف من الحضارتين الغربية والإسلامية، بسب بزوغ عنصر الخوف من الآخر الذي هو في المحصلة النهائية وبحسب كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، خوف من المجهول.
وخوف من المختلف عنك دينياً أو ثقافياً، وبذرته موجودة في أغلب البشر، مؤكداً على أن الحاكم يمكن أن ينمي هذا الخوف ويزيد من وتيرة الإحساس به، وبإمكانه أن يوجهه بطريقة مختلفة نحو نظرة إيجابية تجعل الحياة ممكنة رغم الاختلاف الذي هو جزء أصيل من طبيعة الحياة.
«والأرضُ أرضُ الله، والرزقُ رزقُ الله، رحم الله زايد وراشد، وأسكنهما فسيح جناته»، ليكون هذا الدرس واحداً من أعمق الدروس التي تعلمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بطريقة عملية تطبيقية.
حيث أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً يحتذى في التقدم والازدهار بسبب السياسة الواثقة الحكيمة التي تقوم على حكمة العقل، وصفاء القلب، وهما الركنان اللذان إذا اجتمعا في أي مسار كان التوفيق حليفه، والازدهار ثمرته، ليظل هذا الوطن موطناً للحفاوة بكل إنسان يقدم الخير للبلد.
ويتلقى أرقى أشكال الدعم والتعاون والحقوق التي تجعله يشعر أنه يعمل في بلد يحترم وجوده، ويقدر جهوده، فتواصل الإمارات مسيرة التقدم والنهوض والازدهار في خطى واثقة ورؤية واضحة هي موطن فخر واعتزاز لكل واحد من أبناء هذا الوطن الطيب المعطاء.