الوحيد الذي يحب الإنسان أن يكون أفضل منه هو ابنه. خاصة عندما يكون الابن باراً به وبأمه. القاعدة تقول كما تعامِل تُعامَل. وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك. فكيف إذا كان هذا الواحد من الناس هو الأب؟!
في الحياة ثمة نماذج الأب السيئ والأب الحسن، والابن البار والابن العاق. جلس رجل في شرفة فيلته الفخمة، وقال لابنه البالغ من العمر عشر سنوات «أريدك أن تصبح مهندساً عندما تكبر»، فرح الابن أيما فرح. أعطاه أبوه ورقة وقلماً وقال له «ارسم البيت الذي تحب أن تبنيه لك عندما تتخرج وأن يكون أجمل من بيتنا هذا».
تناول الطفل الورقة والقلم راح يفكر ويرسم، فيما ذهب أبوه ليتناول القهوة بمزاج عال. حديقة أمامية كبيرة يتوسطها مدخل واسع للسيارات وحديقة خلفية متوسطة. مسبح فاره، وصالة ألعاب، وفي الطابق الأرضي قاعتان للضيوف على يسار المبنى، وعلى يمينه ممران، واحد إلى اليمين يؤدي إلى مطبخ كبير، وعلى اليسار حمامان.
في الطابق العلوي خمس غرف، لكل منها شرفة وحمام. وعند بوابة البيت الكبيرة بعيداً عن الطابق الأرضي رسم غرفة صغيرة مع منافعها. نادى على أبيه وقال له «لقد انتهيت من الرسم».
جاءه الأب فرحاً. أُعجب بما رسم ابنه. قال له «جميل.. جميل، لكن لمن هذه الغرفة الصغيرة على مدخل الفيلا»، أجابه الابن: «إنها لك يا أبي عندما تصبح عجوزاً مثل جدي الذي يعيش في الغرفة التي عند بوابة بيتنا هذا».
بكى الأب، وكأن ابنه الصغير أيقظه من عقوق مارسه طويلاً مع أبيه، فخصص أجمل وأوسع غرفة في الفيلا لأبيه، وأخذ يعامله مثلما يعامل أبناءه. يطمئن عليه عندما ينام، وفي الصباح يجلسه بجانبه عند الإفطار، وقبل أن يخرج إلى عمله، يطلب من زوجته أن تسأل الوالد بحنان عما يحب أن يأكل على الغداء، وأن لا تنسى أن تعطيه دواءه في موعده.
الحياة تمتلئ بحكايات الخير كما حكايات الشر، بالبر بالوالدين وبالعقوق تجاههما.
روى أحدهم قصة حدثت معه قائلاً إنه بينما كان على شاطئ البحر مع عائلته وأراد العودة إلى منزله، صادف امرأة كبيرة في السن، كانت تجلس لساعات طويلة على الكرسي بالقرب من الشاطئ، فبدأ ينظر لها ولم يأتِ أحد إليها، وعندما تأخر الوقت ذهب إليها وسألها من تنتظرين يا أمي؟
قالت: أنتظر ولدي، ذهب إلى المتجر المقابل وسيأتي بعد قليل، فشك في أمرها لأنها بقيت وقتًا طويلًا وقد تأخر الوقت. فانتظر ساعة كاملة ولم يأتِ أحد لأخذها، قال الرجل في نفسه، لا أظن أن أحداً سيأتي بعد هذا الوقت ليأخذها، فذهب إليها مرة أخرى وكرر السؤال.
قالت: سيأتي ولدي بعد قليل. وهو يتحدث معها، نظر وإذ بورقة بجانب هذه المرأة، فقال لها: لو سمحت ما هذه الورقة، فقالت له: لقد ترك ولدي هذه الورقة وأخبرني أن أعطيها لأي أحد يأتي، فأخذها وفتحها، تفاجأ بما بداخلها، فسألته المرأة ماذا كتب يا ولدي، فقال لها مكتوب فيها: إلى من يجد هذه المرأة الرجاء أن يأخذها إلى دار العجزة، اندهشت المرأة وبكت.
ذات صيف كنا نجلس في حوش الدار. سمعنا صوت ضرب وصراخ وشتائم سوقية. اعتقدنا أن شقيقين من أبناء الجيران يتشاجران. هرع الجيران للفصل بينهما. الصدمة كانت أن المشاجرة والسباب لم تكن بين الشقيقين، بل كانت بين حسن وأبيه أبي حسن!
بالمقابل نسمع عن أبناء يقبلون أيدي آبائهم وأمهاتهم كل صباح. يسألونهم هل ينقصكم شيء؟ هل يزعجكم أحد؟ يشعر براحة ضمير وفرح طفولي عندما يقول له أحدهما أو كلاهما، الله يرضى عليك يا ابني.