كثيراً ما يُخلَط بين «قيم» الفرد و«أخلاقه». فهناك من يعتبرها واحدة، ولكن ثمة فروقاً مهمة تستحق التأمل. فالأخلاق، كما ندرسها في محاضرات الإدارة بالجامعة هي مجموعة القواعد والمعايير السلوكية التي تحدد ما هو الصواب وما هو الخطأ.
ونستقي ذلك كله من المجتمع أو الدين أو الثقافة. عادة ما تميل الأخلاق إلى أن تكون ملزمة للفرد أو بالأحرى يتوقع الناس من الإنسان الالتزام بها، مثل الصدق والأمانة، وعدم السرقة. وهي بالفعل التزامات أخلاقية لأن من يخالفها يلومه المجتمع عليها.
على الجانب الآخر، «القيم» values، وهي مجموعة مبادئ ومعتقدات يعتنقها الفرد أو الجماعة، تحدد أولوياتهم وتدفعهم نحو خياراتهم الحياتية، ولذلك يغلب عليها طابع الخيار الشخصي أكثر من الأخلاق، وقد تختلف من فرد لآخر.
اللافت أن القيم تتشكل من تجاربنا الفردية، ونشأتنا وتربيتنا، فضلاً عن ثقافتنا وتعليمنا. فتجد من يعود من رحلة ابتعاث إلى أكثر البلدان تطوراً، يعتنق قيماً مثل احترام الوقت، والحرية، والمسؤولية، والمثابرة. وتبدأ الأزمة حينما يعتنق قيماً تناقض القيم السائدة في مجتمعه التقليدي فيتصادم معه.
يمكن القول إن الأخلاق تحدد ما هو صحيح وما هو خاطئ وفق معايير معينة يتفق عليها المجتمع، في حين أن القيم تحدد ما هو مهم وغير مهم بالنسبة للفرد أو الجماعة. ولذلك تجد من يحمل قيم المنفعة المادية، لا يميل نحو تقديم أي شيء من دون مقابل مادي.
كثيرون يقعون في فخ كبير تنصب لنا شباكه القيم، مثل التضحية بقيمة أصيلة من أجل قيمة عابرة أو وقتية. فمثلاً قد يُضحي شخص بقيمة «الأمانة» في سبيل «المنفعة السريعة»، وهنا يحدث الانكسار الداخلي، كما قيل إن: الفضيلة لا تُجزأ، فإذا ضاعت واحدة منها تهاوت البقية.
وبعض القيم قد تتغير مع مرور الوقت نتيجة صدمات أو مواقف قاسية. فقد يمضي المرء سنوات متمسكاً بقيمة «العطاء» ثم يكتشف بعد تجربة أليمة كحادث أو مرض أن أقرب المقربين لم يقفوا إلى جانبه، فيتراجع حماسه لتلك القيمة، وربما يستبدلها بنهج أكثر قسوة، أو يحجم عن تلك القيمة، والأمر نفسه يحدث عند التعرض لخيانة أو سرقة من قريب فتتصدع منظومته القيمية.
وهناك قيم حاكمة (core values) راسخة في وجدان الفرد يصعب أن تتزحزح مثل الكرامة، والعدالة، والصدق، والإحسان، وهي البوصلة الأخلاقية للإنسان ويُعرف الفرد بسببها، مثل قيمة الأمانة التي تضع المسؤول نفسه أمام خيارين باعتباره متخذ القرار الأول في المؤسسة، هل يأخذ القرار «أ» الذي يناسب مصلحته ويتعارض مع مصلحة المؤسسة التي أؤتمن عليها، أم يميل نحو كفة القرار «ب» الذي يفيد المنظمة ككل ولكنه يضره في المقام الأول، مثل أن يتخذ قرار تخفيض المكافآت أو المصاريف (بما فيها مخصصاته) لتتجاوز الشركة مرحلة الخطر، هنا يكون أميناً مع نفسه (أو قيمه) ومع من ولوه زمام المسؤولية.
وقد رأينا في مجالس إدارة كيف يميل بعض مسؤولي الإدارات العليا إلى خيارات الاستغناء عن خدمات مديرين تحت إمرتهم لكنهم لا يتحدثون عن تخفيض مخصصاتهم! ورأينا العكس ممن آثر ألا يأخذ مكافأة نهاية الخدمة ليحولها إلى باقي الموظفين المجتهدين.
وهنا يظهر المعنى العميق لما قاله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «قيمة كل امرئ ما يحسنه»، فالقيم الحقيقية ليست ما نردده في مجالسنا، بل ما نثبته في ميادين الاختبار حين تتزايد المغريات.
إذن يمكن القول بأن القيم والأخلاق ليستا في صراع بل في تكامل.
باختصار، الأخلاق ما «يجب» أن نفعله، أما القيم فهي ما «نختار» أو «نفضل» فعله.