قبل وصول البوتاجاز الحديث إلى مطابخنا، اعتباراً من عقد الستينيات من القرن العشرين، كانت عملية الطبخ وبقية الأعمال، التي تتطلب استخدام النار تعتمد على وقود الخشب «الحطب»، سواء بهيئته الطبيعية أو بعد تحويله إلى فحم نباتي في عملية صناعة تحويلية.

وكانت مهمة الاحتطاب، التي تهدف إلى توفير مادة الوقود، في المدن والقرى والواحات والبادية، منوطة بنساء الأسرة، وخصوصاً الأسر الفقيرة ومتوسطة الحال، وكان لكل مدينة أو بلدة مُحتَطب ترتاده النساء، حيث تتوفر الأشجار الصالحة للوقود، فبعض الأنواع أجود من بعضها، وكان السَّمُر والغاف والأرطَى أهم تلك الأصناف، والسمر أفضلها جميعاً، وتبعد أماكن الاحتطاب أحياناً بضعة كيلو مترات عن أطراف المدينة، ويتعين على النساء قطعها سيراً على الأقدام، في زمن كان لبس الحذاء فيه نوعاً من الترف، فكن يلففن على أقدامهن قطعاً من القماش المنسوج من الصوف تسمى «الزَّربول»، ويقول الشاعر:

زُول يالزَّربـول مـــالي بك

لي مْلقَّـط من شـعر هــوشِ

نِيس في ريــلي وأصلّي بك

ما حِصَل مِن لِبسِك اقروشِ

كانت المرأة تتفق مع جاراتها على الخروج للاحتطاب في يوم معين، ربما في كل أسبوعين مرة، فيأخذن معهن الفأس والداس «المنجل» والحبال وزاداً من التمر وسعناً «قربة» فيها ماء، ويخرجن بعد الفجر نحو المحتطَب، ثم يأخذن استراحة في ظل إحدى الأشجار، ويكملن طريقهن، وبعد الوصول إلى المكان الذي تكثر فيه الأشجار يبدأن في تقطيع الأغصان بجهد ومشقة، ثم تحزم كل واحدة منهن حطبَها في ثلاث حزم، كبيرة ومتوسطة وصغيرة، يطلق عليها على التوالي: حزمِة - حِيزة - اوليدة، ثم يحملنها على كواهلهن متجهات إلى بيوتهن، وقد اعتاد أزواجهن على ملاقاتهنّ في منتصف الطريق وقت الضحى بعد عودتهم من الصيد، لمساعدتهن في حمل تلك الحزم، والتخفيف عنهن.

وكانت بعض النساء اللائي لا تسمح لهن الظروف بالذهاب مع زميلاتهن إلى المُحتَطَب يوفرن مادة الوقود بتكسير أطراف الجريد من سياج بيوتهن المبنية بجريد النخل «الرِّديد»، وكانت زميلاتهن يعِبن عليهن هذا التصرفَ، ويرمينهن بالعجز والكسل.