قبل ثمانية وعشرين عاماً وتحديداً في 1418 هجرية الموافق له للعام 1997 ميلادية أمر صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بإنشاء جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، وتلطّف سموّه بحضور حفل الإشهار والافتتاح حين كان آنذاك وليّ عهد دبي.

ومنذ تلك الانطلاقة المباركة كانت هذه الجائزة الرفيعة واحدةً من أرقى معاني الحضور الدولي لمدينة دبيّ التي تحتلّ قلب العالم الحديث، ولكنها لا تكتفي بالحضور المعاصر بل تمدّ جذورها إلى أعمق نقطة في تربة الحضارة العربية الإسلامية، فكانت هذه الجائزة الميمونة المباركة التي رعاها صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد خير تعبير عن أصالة دبي وعمقها الحضاري.

وعنايتها الصادقة الحثيثة بكتاب الله تعالى على مستويات متعدّدة جعلت من هذه الجائزة مهوى الأفئدة لجميع حُفّاظ كتاب الله تعالى، وجميع العلماء والباحثين الأصلاء المشتغلين في حقول الدراسات القرآنية وعلوم السيرة على وجه الخصوص، ونضّرت هذه الجائزة بحضورها المدهش في قلب الثقافة العربية وجه دبيّ، وجعلت منها عاصمة ثقافية تحتفي بكنز الثقافة وجذر الوعي العربي الإسلامي المتمثّل في كتاب الله المجيد.

خلال ثمانية وعشرين عاماً من العطاء المتميز فازت جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم بثقة صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد الذي ظلّ يَلحَظُها بعين عنايته طوال مسيرتها السابقة، ويقدّم لها الدعم ويغدق عليها العطاء حتى أصبحت واحدة من أرقى الجوائز وأكثرها مصداقية، وتشوّفت إليها النفوس، وأبدعت خلال مسيرتها المباركة في تنويع نشاطاتها بما يستوعب جميع الأجيال والطاقات والمواهب.

فكانت السبّاقة في تنظيم المسابقات الدولية والمحلية في حفظ القرآن الكريم، ونالت ثقة الجميع بسبب ما تميّزت به معاييرها من النزاهة والعدالة ممّا منحها سمعة دولية طيبة جعلتها في طليعة المدن المهتمّة بكتاب الله تعالى ضمن نشاطات متميزة وفعاليات ذات قيمة حضارية ومعرفية تجلّت في اهتمامها بنشر الكثير الطيب من الكتب التراثية المختصّة في علوم التفسير وعلوم القرآن في المقام الأول، والعلوم الشرعيّة الأخرى من السنّة والسيرة النبويّة المطهّرة والفقه وعلوم اللغة العربيّة من غريب وبلاغة ومعانٍ وبديع فضلاً عن التراجم والثقافة الإسلاميّة.

وقد أبدعت في هذا المجال إبداعاً شهد به القاصي والداني، وجعل جائزة دبي جائزةً منافسة على مستوى العالم حيث كان عُشّاق علوم التفسير وعلوم القرآن على وجه الخصوص والعلوم الشرعيّة والعربيّة ينتظرون إصداراتها الفريدة بكل شوقٍ ولهفة، فهي المبدعة في اختيار الكنوز التراثية الثمينة من كتب التفسير وعلوم القرآن وكتب السنّة والسيرة النبويّة، وكتب البلاغة القرآنيّة والبديع والمعاني وغيرها.

وستبقى لها البصمة الخالدة في هذا المجال العظيم الذي نالت بسببه الثناء والتقدير والاحترام من جميع علماء العالم الإسلامي ومن المؤسّسات العلميّة بسبب جودة ما يصدر عنها، فكانت لها الريادة في هذا الميدان تحديداً مما جعلها في طليعة الجوائز الدولية ذات الاهتمام بعلوم القرآن على وجه الخصوص والعلوم الشرعيّة الأخرى على وجه العموم.

ومن أبرز فروع الجائزة فرع شخصية العام الإسلامية التي تهدف إلى خدمة الإسلام من خلال تكريم الشخصيات العاملة في المجالات الشرعية والعلمية والفكرية، وكم كان حظُّها من التوفيق عظيماً ووافراً حين كان أوّل شخصية إسلامية تمّ تكريمها هو الشيخ الجليل محمّد متولي الشعراوي، رحمه الله، الذي كان لسان عصره في الدعوة إلى الله تعالى.

وكانت له المنزلة الشريفة في قلب الوالد المؤسّس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان رحمه الله الذي كان هو الشخصية الإسلامية الثالثة التي تمّ تكريمها في هذا السياق من نشاطات جائزة دبي المباركة، ثم توالى اختيار الشخصيات المؤثّرة في الحياة الإسلامية بحيث أصبحت شخصيات جائزة دبي من الطبقة الأولى بين رجالات الفكر والدعوة والاجتهاد.

كما عملت جائزة دبي الدوليّة للقرآن الكريم على تنشيط الندوات والملتقيات والمحاضرات التي أسهمت في ترشيد الوعي، والأخذ بأيدي الأجيال نحو الوسطيّة والسماحة العميقة التي يتميّز بها جوهر الإسلام.

فكان لذلك أكبر الأثر في ترسيخ حالة متميزة من الوعي الديني داخل دبي وخارجها بفضل الجهود الطيبة المباركة لجائزة دبي في هذا المجال الجليل، وليس المقام متّسعاً لاستقصاء جميع النشاطات والفروع التي عملت الجائزة على تفعيلها وترسيخ قيمتها في حياتنا التي تستلهم القرآن الكريم، وتتفيّأ ظلال السنة الشريفة لكي يبقى الإسلام صافياً في جوهره، بعيداً عن التعصّب والانغلاق والجمود.

وتقديراً لهذه المسيرة المباركة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، واحتفاءً بهذه المرحلة الزاهرة، وتأكيداً على العناية بخدمة القرآن الكريم كتب صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد تغريدة ثمينة جليلة عبّر فيها عن اعتزازه بهذه الجائزة عبر مسيرتها الطويلة الميمونة، تقديراً منه للجهود المبذولة، وتأكيداً على الدعم المستمر من لدن صاحب السموّ للجائزة في مسيرتها التي نتمنّى لها كلّ خير وتوفيق.

«جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم: الأقرب إلى القلب، والأقرب إلى الربّ» بهذه الحفاوة القلبية النادرة يعبّر صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد عن عمق الحضور لهذه الجائزة في قلبه الكبير.

فهي أقرب الجوائز إلى قلبه، وهي الطريق التي ارتضاها للوصول إلى ربّه، ولا غرو في ذلك، فقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أنّ خدمة القرآن تعلّماً وتعليماً هي خير عمل يتقرّب به الإنسان إلى ربّه حيث ثبت في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه».

«كتاب الله.. أعظم رسائل السماء للبشر، وأقربُ طرق البشر لأبواب السماء» في هذا المقطع من التغريدة ينتقل صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد من الخاصّ إلى العام، فالقرآن بصفته كتاباً لله مشتملاً على كلامه الكريم هو أعظم رسالة للبشر، كلّ البشر.

ولأنّه كذلك فهو أقرب الطرق التي تهدي قلوبهم إلى أبواب السماء، لأنّ القلوب المقبلة على كتاب الله تعالى هي القلوب التي اصطفاها الله من أجل فهم كتابه وحفظه بين الجوانح وطيّات القلوب: {ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} فطوبى ثمّ طوبى لمن كان له حظٌّ من نور هذا الكتاب العظيم.

«28 عاماً نكرّم فيها حفظة الكتاب المجيد، ليحفظنا الله، ويرحمنا الله، ويرفعنا الله» وتعبيراً عن عمق اهتمام صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد بجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم يؤكِّدُ صاحب السموّ أنّ مسيرة التكريم لحفظة كتاب الله تعالى مستمرّة منذ ثمانية وعشرين عاماً.

وأنّ هذا التكريم منظورٌ فيه إلى رضا المولى سبحانه الذي يحفظ من حفظ كتابه، ويرحم من رحم الناس استلهاماً من تعاليم كتابه، ويرفع قدر من رفع قدر القرآن وجعله في أعلى المنازل تصديقاً لقول سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين».

«واليوم نبحث عن أجمل صوت قرآني في العالم» ثمّ كانت هذه الخاتمة الجميلة التي ينفتح فيها الأفق على بحثٍ جديدٍ عن أجمل صوتٍ في العالم ليتمّ تكريمه بأكبر جائزة في هذا المجال والتي ستكون بقيمة مليون دولار للمركز الأوّل فيما سيكون مجموع الجوائز خير تكريم لحفاظ كتاب الله تعالى الذين خاطبهم صاحب السموّ بأبيات بديعة قال فيها:

يا من حفظتوا كتاب الله تبياني

أنا لكم يا إخوتي قبل المهنّيني

إتمسكوا به مدار ومركز إيماني

وخلوه بين الجفن محفوظ والعين

لكم تهاني الفرح من قلب جذلاني

أزفّها في قصيدي وفي تلاحيني