لقد نال الفيلسوف اليوناني أفلاطون مكانة وشهرة لم يحظ بهما فيلسوف مثله، والسبب محاوراته التاريخية التي ضمنها كتابه (الجمهورية).. وكانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية وضع فيها أفكاره حول (المدينة الفاضلة) على لسان الشخصية الرئيسية فيها معلمه سقراط..
وليست السعادة حسب أفلاطون شأناً شخصياً بقدر ما هي قضية تتعلق بالمدينة ككل، إذ يرى أنه لا يمكن تحقيق الكمال إلا في مدينة محكمة التنظيم، فكما يوجد انسجام بين النفس العاقلة والنفس الغاضبة، فإن المدينة كذلك يجب أن تنقسم إلى قادة يسيرون شؤونها العامة وجنود يسهرون على الأمن، ورعية تقوم بالأعمال الأخرى الضرورية مثل الفلاحة والتجارة والصناعة إلخ، فبذلك تتحقق العدالة وتزدهر الدولة ومن ثم يترك لكل طبقة أن تتمتع بالسعادة بحسب ما تؤهلها لذلك طبيعة عملها وحياتها.
إن «وثيقة الخمسين» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في يناير من عام 2019، كانت تتضمن تسعة بنود تضم جوانب من رؤية سموه لمدينة دبي المستقبل والحياة التي يتمناها لكل من يعيش في مجتمعها.
حيث قال سموه: «هذه وثيقة سنوية، أسميتها وثيقة الخمسين، تيمناً بمرور خمسين عاماً على تولي أول مسؤولية لي في خدمة هذا الشعب، وتفاؤلاً بخمسين عاماً مقبلة نستطيع فيها تحقيق مدينة فاضلة كاملة، يحكمها القانون، وتسود فيها روح الرحمة والمحبة، ويعيش أهلها في انسجام وتسامح، وتتميز الحياة فيها بالسهولة والرخاء، وتتمتع أجيالها القادمة بالفرص والبيئة الحقيقية لتحقيق كافة أحلامهم وطموحاتهم».
وخلال حضور سموه في دبي فعاليات «ملتقى محمد بن راشد للقادة» الملتقى السنوي الأبرز والمتخصص في الإدارة والقيادة، أكد سموه أنه وضع لفريق عمل دبي رؤية متجددة بأن تكون دبي المدينة الأجمل والأرقى في العالم في مكانها ومكانتها وروحها وثقافتها وعمرانها.
مشدداً سموه على أنه يريد دبي أفضل مدينة في العالم، كاشفاً سموه أنه طلب من كل مسؤول متابعة تحقيق هذه الرؤية بجهود مضاعفة وإرساء معايير خاصة لتقييم الإنجاز وسرعة التنفيذ، مؤكداً سموه على أن جميع القرارات والسياسات والمشاريع لا بد أن تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه. من هذا المنطلق وتلك الرؤى لسموه نستطيع القول إن مفهوم المدينة الفاضلة عند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هدفها الأول ومنتهاها الأخير هو الإنسان.
1. التركيز على الإنسان:
يؤمن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأن الإنسان هو الرهان الأساسي في مسيرة التنمية، ويهدف إلى بناء أجيال قيادية قادرة على مواكبة التطورات العالمية وتحقيق مستقبل أفضل.
2. بيئة مثالية للعيش:
يطمح إلى بناء مدينة تصون أحلام الناس وتحترم قيمهم، وتوفر لهم آفاقاً واسعة للتطور والازدهار، وذلك من خلال توحيد الجهود والطاقات لبناء أفضل مدينة للعيش.
3. الرقي والتماسك:
يسعى إلى جعل دبي المدينة الأكثر رقياً وتماسكاً وتلاحماً ورأفة، مع التركيز على تحقيق الرخاء والانسجام والتسامح بين سكانها.
آليات تحقيق هذه الرؤية:
4. مبادرات وسياسات:
مثل وثيقة الخمسين التي أطلقت لتحسين جودة الحياة في دبي، وتنظيم الفعاليات مثل ملتقى القادة لتعزيز الكفاءات القيادية.
5. مؤسسات ومبادرات:
إطلاق مؤسسات وجوائز تهدف إلى الارتقاء بمستويات التعليم والصحة والإسكان، مثل مؤسسات محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية ومبادراته العالمية.
6. التنمية المستدامة:
الاهتمام بإدارة الأداء المستدام في المدينة، والذي يضمن ازدهارها واستدامتها للأجيال القادمة.
عودة للقول إن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للمدينة الفاضلة لا تقتصر على المفاهيم النظرية كأفكار أفلاطون لمدينته الفاضلة، بل هي رؤية عملية تسعى جاهدة لتحويلها إلى واقع ملموس في مدينة دبي.
لقد أضحت دبي الآن محطة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب وقدرها الآن أن تكون مطار العالم وميناءه الرئيسي وطريقاً حريرياً طبيعياً بحكم موقعها وتطورها، بما يشهد على تجربة فريدة ينظر إليها دائماً على أنها نموذج يحتذى به.
لقد بنيت تلك التجربة على أسس متينة انطلقت من الاستثمار في الموارد البشرية في المقام الأول حتى صارت مركزاً تجارياً سياحياً ومالياً عالمياً ملء السمع والبصر.
إن دبي اليوم تختلف عن أي مدينة أخرى في المنطقة كونها أكثر مدن المنطقة استيعاباً للثقافات في نسيجها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حتى أصبحت مركزاً إبداعياً ومالياً وتقنياً عالمياً تستقطب المواهب والأثرياء ورجال الأعمال والباحثين عن الفرص الواعدة من كل أنحاء العالم، وتضم مقرات إقليمية لكبرى الشركات العالمية والعلامات التجارية العملاقة في كل القطاعات، ولا شك في أن دبي قفزت في مؤشرات التنافسية العالمية من العشرة الكبار إلى قائمة الخمس الأوائل.
إذن.. لم يكن التطور الذي صنع في دبي برؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ليذهب هباءً، بل جعل منها الوجهة السياحية المفضلة والأكثر شعبية على مستوى العالم.. نعم هذه هي دبي مدينتنا الفاضلة صاحبة الحكم الرشيد.