من رحم المعاناة يولد الأمل، تنطبق هذه المقولة على الواقع الفلسطيني اليوم، فبينما تواصل إسرائيل حربها اللإنسانية على الشعب الفلسطيني في غزة، وسط خطط لم تعد خافية لتهجيرهم من أراضيهم بالقوة، بالتوازي مع خطط وتهديدات إسرائيلية لضم الضفة الغربية لوأد أي تحرك محتمل لقيام دولة فلسطينية ضمن إطار مبدأ حل الدولتين الذي يتفق عليه المجتمع الدولي كأساس لتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بدأ العالم ينتفض بقوة في وجه هذه الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية، من خلال تقديم دعم قوي لتطلعات وآمال الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وبناء دولته المستقلة، عبر إعلان 10 دول بينها دول كبرى كبريطانيا وفرنسا والبرتغال، وأستراليا، وكندا وبلجيكا، اعترافها بالدولة الفلسطينية، ليصل عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 159 من أصل 193 دولة.

هذا الاعتراف الدولي الواسع بالدولة الفلسطينية - سواء بتحديد الأرض المعترف بها كما فعلت فرنسا التي اعترفت بالدولة الفلسطينية على حدود عام 67، أو دون ذلك - هو تطبيق عملي على التزام المجتمع الدولي بالإبقاء على حل الدولتين قائماً، كما أنه يحمل طابعاً رمزياً بالغ الأهمية، إذ يمثل بياناً أخلاقياً وسياسياً قوياً بوقوف المجتمع الدولي في وجه المحاولات الإسرائيلية لإنهاء حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم سواء عبر محاولات التهجير القسري لسكان غزة وتجويعهم وحصارهم، أم عبر اقتطاع أراضي الضفة الغربية ومحاولة ضمها لإسرائيل.

لم يقتصر الدعم الدولي على هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية، حيث أسفر «المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين»، الذي عقد برئاسة سعودية فرنسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن اعتماد «إعلان نيويورك»، الذي حظي بـ«تأييد استثنائي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 صوتاً»، وأكد بوضوح الالتزام الدولي الثابت بحل الدولتين، مع دعوة «جميع الدول إلى الإسراع في تنفيذ إعلان نيويورك، من خلال خطوات عملية وملموسة ولا رجعة فيها».

ويتوافق هذا التحرك الدولي مع رؤية دولة الإمارات التي تؤمن بشكل ثابت أنه لا يمكن تحقيق السلام في المنطقة حتى تقوم دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في سلام واستقرار وكرامة. وترى أن حل الدولتين يشكل الأساس لدمج إسرائيل إقليمياً، واعتبار ذلك السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وللمنطقة بأسرها. كما أكدت أن ضم أي أراضٍ في الضفة الغربية يعد «خطاً أحمر»، وأن أي خطوة إسرائيلية في هذا الإطار ستقوض بشدة ما تنطوي عليه الاتفاقات الإبراهيمية للسلام.

لقد وضع هذا التحرك الدولي المنسق والقوي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني إسرائيل في مأزق شديد، وأعادها إلى العزلة الدولية، وبدلاً من أن تعيد الحكومة الإسرائيلية النظر في سياساتها وممارساتها العدوانية التي جعلتها منبوذة دولياً، رأينا متطرفي الحكومة الإسرائيلية يطلقون التهديدات باتخاذ إجراءات عقابية رداً على هذا التحرك الدولي، بما في ذلك الحديث عن ضم أراضي الضفة الغربية، بحيث لا تجد تلك الدول ما تعترف به.

إن على هذه الحكومة أن تراجع سياساتها ومواقفها، وأن تقرأ رسائل المجتمع الدولي بحكمة بعيداً عن سياسات الغطرسة والإحساس بنشوة القوة.

فهذه الرسائل تؤكد أن المجتمع الدولي لم يعد قابلاً لاستمرار الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية الحالية، التي تقوض فرص السلام وتهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها، كما تؤكد أن حل الدولتين هو الخيار الوحيد لبناء سلام إقليمي مستدام يحقق مصلحة الجميع.

على الحكومة الإسرائيلية أن تراجع سياساتها ومواقفها وأن تقرأ رسائل المجتمع الدولي بحكمة بعيداً عن الغطرسة والإحساس بنشوة القوة