ويحاول الاقتراب من جبلٍ من جبال الحكمة والخبرة والشجاعة، ويجتهد في إضاءة زاوية بسيطة من حياة هذا القائد المُلهِم الذي برزت مواهبه منذ نشأة هذه الدولة قبل أكثر من نصف قرن، وتقلّد المسؤوليات الجِسام وهو في ريعان الشباب.
ومنذ تلك المرحلة المبكرة وهو يشكّل العقل الإداري للدولة، ويبني الأجيال القادرة على تحمّل المسؤوليات، ويسطّر في دفتر الوطن الإنجاز تلو الإنجاز، ويكتب في محبة الوطن والقائد والإنسان أجمل القصائد وأعذب الألحان، ليجتمع من ذلك كلّه شخص نادر فريد هو محمّد بن راشد، القائد الإنسان.
المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، اللذين يَدين لهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بأعظم ما في شخصيته من الفضائل، ولا يألو جهداً في الثناء عليهما والتنويه بحضورهما العميق في قلبه ووجدانه باعتبارهما معلّمين كبيرين في مسيرة هذا الوطن، وحرصاً على امتداد هذا الإرث الثمين جاءت هذه البشارة بالإعلان عن هذا الكتاب البديع الذي سيكون تكملة لما سبق نشره من قصة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كتاب «قصتي:
50 قصة في خمسين عاماً» ليجتمع من هذين الكتابين واحدة من أفضل نماذج السيرة الذاتية التي تستلهمها الأجيال، وتقتبس ما أودع فيها صاحب السمو من مواقف الحكمة والخبرة والنبل والشجاعة.
متسائلاً عن الدرس الأكبر الذي تعلّمه في مدرسة الحياة التي يعتزّ صاحب السمو بالانتماء إليها، ويرى فيها الجذور العميقة لتكوين الوعي وصقل الشخصية على الرغم من دراسته في أرقى المعاهد العلمية، لكن مدرسة الحياة في وجدان صاحب السموّ هي صاحبة الصوت الأعلى وذات البصمة الخالدة التي لا تزداد مع مرور الأيام إلا بهاءً وإشراقاً.
حيث مارس فيها جميع أطياف السياسة العامة والخاصة: من سياسة الدولة الكبرى إلى سياسة أصغر مواطن يحتاج إلى الرعاية والسياسة، وبين هاتين المنطقتين هناك مسافة هائلة تحتاج إلى الصبر والحكمة والشجاعة والمبادرة والتسامح والحزم والإنجاز، وتحقيق الصعب والمستحيل، وهي المرحلة التي تمرّ الآن أمام ناظرَيْ صاحب السمو مثل شريطٍ جميل يحملُ أجمل ذكريات العمر، ويمنح صاحبه شعوراً عميقاً بالسعادة حين يرى كم كانت هذه الحياة ثمينة وكيف تجسّد ذلك في هذه النهضة الشاملة لهذا الوطن الطيّب الحبيب.
وضعتُ خلاصة تجاربي في كتاب «علمتني الحياة». في هذا المقطع من تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يفصح عن السؤال الكبير الذي يشكّل جوهر هذا الكتاب.
والذي يتفرّع إلى مجموعة متكاملة من الأسئلة التي تشكّل في مجموعها جوهر التجربة العميقة لصاحب السمو الذي يطرح هذه الأسئلة لكي تكون تمهيداً لما سيتمّ طرحه في هذا الكتاب الذي يشتمل على خلاصة العمر وعديد التجارب التي مارسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من موقع المسؤولية الكبرى في جميع المواقع التي شغلها عبر مسيرته الطويلة في الإعمار والبناء.
والتراكيب الدالّة على الحقائق والمعاني على حساب الصّياغة البليغة التي تقصد إلى إظهار البراعة الفنية، لأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يريد لهذا الكتاب أن يكون عميق التأثير في الوجدان العامّ لأبناء هذا الوطن، وأن تصل الرسالة من القلب إلى القلب.
ولذلك انصبّ تركيزه على التجربة الإنسانية بمفهومها العميق، وإضاءة التجارب بكلّ ما فيها من تحدّيات مع تركيزٍ مقصود على الأفكار والمفاهيم والمبادئ التي كانت تُلهم صاحب السمو خلال مسيرته الطويلة في العمل العام، لأنّ هذه الثلاثية: الأفكار والمفاهيم والمبادئ هي التي تؤسّس الرؤية العميقة لكل تجربة إنسانيّة مهما كان مستواها ومحتواها، فهي التي تدوم وتضيءُ الطريق بما توفّر لها من شمول النظرة وعمق الفكرة وسداد الطريق.
ويستفيد منها القاصي والداني، أسأل الله أن ينفع بكلماتي وتجاربي وحياتي البلاد والعباد» وبكل هذا التواضع الصادق النبيل يختتم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه التغريدة بالتأكيد على أنّه قد كتب هذه الكلمات تذكرة لنفسه في المقام الأول.
هذه النّفس الأصيلة النبيلة التي كانت شاهدة على عصر يموج بالمشكلات والتحدّيات وكيف أن صاحب السمو استطاع أن يكون الربّان الشجاع الأمين لسفينة هذا الوطن في جميع المواقع التي عمل فيها، ثم توجّه بهذه الكلمات الصادقة الكاشفة عن تجربته العميقة إلى أبنائه الذين يحملون معه هموم الوطن وتكاليف البناء والإعمار، ثمّ إلى أسرته الكبرى المتمثّلة في شعب الإمارات الذي أحبّه صاحب السمو من أعماق قلبه وفاز هو أيضاً بحبه، آملاً أن تكون هذه الكلمات مصدر إلهام وفائدة لكلّ من يقرأها وينتفع بما اشتملت عليه من التجارب الصادقة العميقة.
«تعلمتُ الكثير من الحياة، ولعل أكبر درسٍ تعلّمته أنني لست كاملاً بل إنساناً يتعلّم ويتطوّر، وينمو ويكبر، ويحبّ ويكره، ويقوى ويضعف، ويتغيّر باستمرار ولكن بقي الثابت الوحيد عبر أكثر من سبعة عقود من حياتي أنّني أحببت بلدي وأحببت شعبي وأحببت أسرتي».