يكابد أهلنا في السودان منذ الاستقلال، من نير الاحتراب الداخلي، ومشاكل التنمية الاقتصادية، وانعدام الاستقرار السياسي. ورغم أن السودان غني بالخيرات الزراعية والمعدنية، إلا أن البلاد تعاني كثيراً من العوز الاقتصادي.

وابتلي السودان بأنظمة عسكرية وانقلابات كثيرة، حيث بلغ عدد المحاولات الانقلابية العسكرية خمسة وثلاثين انقلاباً قام به العسكر، نجح منها القليل. ولكن الإشكالية أنه خلق نوعاً من نمط الحكم العسكري.

ويقول تقرير من معهد كارنيجي إن من بين أسباب تكرار الانقلابات العسكرية، هي ثقافة الاستيلاء على الأموال العامة، الفساد المستشري، وحتى تسليع الوظائف العامة بغرض التكسب الشخصي.

ويذكر التقرير أن حوالي 80 % من الموارد، هي في أيدي الجيش والأجهزة الأمنية، وتسيطر هذه الأجهزة على ما يربو على مئتين وخمسين مؤسسة، تعمل في صناعات حيوية، مثل مناجم الذهب وصناعة المطاط والمصارف والصناعات الغذائية، مثل إنتاج الطحين وزيت السمسم.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد ابتلي السودان بحرب أهلية، استمرت لعقود في جنوب السودان، والتي استنزفت قدرات وموارد كثيرة، فضلاً على التكاليف الإنسانية.

وما تبقى من مقدرات للسودان، استهلك في حرب ضروس في دارفور، والتي كانت منطقة تعاني من التمرد أيضاً، كان ممكن للحكومة المركزية أن تتعامل مع الجميع بالتساوي، ونزع فتيل الأزمة، وإعادة السلام والاستقرار للإقليم.

ولكن الحكم العسكري تعمد المفاضلة بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي، ألحقت به تهمة الإبادة الجماعية، وظل الرئيس البشير مطارداً، إلى أن أطيح به في 2019.

استولى العسكر مرة أخرى على الحكم، بعد الإطاحة بنظام البشير. وكانت الخطوات الأولى التي قام بها مجلس السيادة الانتقالي تبشر بالخير. عين مجلس السيادة الدكتور عبد الله حمدوك، خبير اقتصادي يتميز بالمعرفة الأكاديمية، وخبرة في منظمات دولية مرموقة، كرئيس وزراء، لإدارة الأمور السياسية والاقتصادية والحياتية، والمرور بالسودان في المرحلة الانتقالية الحرجة إلى بر الأمان.

ولكن أبى العسكر إلا أن يستحوذوا على السلطة. وتنازعوا في ما بينهم، وذهبت ريحهم، ودخل السودان في أتون حرب أهلية أخرى، لا طائل منها.

هذا السرد التاريخي لشرح المشاكل التي عانى، وما زال يعاني، منها هذا البلد المكلوم دوماً، القصد منها معرفة المشاكل النابعة من داخل السودان نفسه. لأن مشاكل السودان داخلية.

وإلقاء اللوم على الآخرين لن يحل مشاكل السودان. وعكس تقرير لجنة الخبراء الأممية المعنية بالسودان، مصداقية دولة الإمارات، والتزامها الراسخ بدعم السلام والاستقرار في البلد الشقيق، ورفضت محكمة العدل الدولية الدعوة التي أقامها الجيش السوداني، لغياب الأدلة.

رحّبت الإمارات بقرار المحكمة، واعتبرته تأكيداً على مصداقية موقفها الثابت، والتزامها الطويل باحترام القانون الدولي، وحرصها على دعم الشعوب المتضررة من الصراعات، عبر الإغاثة الإنسانية، والعمل الدبلوماسي، وليس عبر التدخلات أو التصعيد.

وغني عن القول إن مشكلة السودان داخلية، وحلولها في الداخل. إذا ما أراد الطرفان المتحاربان أن ينهيا الصراع، عليهما الاجتماع في أي عاصمة محايدة، والاتفاق على مرحلة انتقالية، وتسليم السلطة لحكومة منتخبة. أهلنا في السودان تعبوا من الحروب والنزاعات، وعز عليهم العيش الكريم، في وطن يزخر بالخيرات.

على الدول العربية الفاعلة أن تلعب دوراً في تهيئة المناخ، وتقديم يد العون لتحقيق المصالحة الوطنية، والانتقال إلى مرحلة جديدة، يستطيع أن يستعيد أهلنا في السودان عافيتهم، ولعب دور إيجابي في الإقليمين العربي والأفريقي.