عقد قبل يومين في دولة الكويت الاجتماع الوزاري المشترك الثاني للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية واليابان، والذي شكل فرصة مهمة لبحث سبل تفعيل التعاون المشترك بين الجانبين في مختلف المجالات، والبناء على ما تحقق خلال الفترة الماضية من تطورات إيجابية شملت توقيع مذكرة التفاهم للتعاون والحوار الاستراتيجي عام 2012، وإطلاق خطة العمل المشترك 2024 - 2028 التي تم إطلاقها خلال مؤتمر الحوار الأول الذي عقد في الرياض عام 2023، ووضعت خريطة طريق لتعزيز التعاون في مجالات حيوية للتعاون مثل الطاقة التقليدية والمتجددة والابتكار التكنولوجي وحماية البيئة والتعليم والصحة والأمن السيبراني والتجارة والاستثمار، علاوة على بدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، والتي عُقدت جولتان منها حتى يوليو 2025.

ونتيجة لذلك شهدت العلاقات بين الجانبين دفعة مهمة خلال العامين الماضيين من بداية انطلاق الحوار الاستراتيجي، ومن مؤشرات ذلك ما أشار إليه الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم البديوي، خلال الاجتماع الأخير، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري للعام 2024 إلى 115 مليار دولار، وتجاوزت الاستثمارات اليابانية في دول المجلس 15 مليار دولار، كما تم توقيع مذكرات مع شركات يابانية كبرى لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر والأمونيا الزرقاء، فضلاً عن نمو برامج التعليم والصحة والتبادل الأكاديمي بنسبة لافتة، ومشاركة دول المجلس بفاعلية في إكسبو أوساكا 2025.

ورغم هذا التطور في العلاقات الخليجية - اليابانية، فإن هناك رغبة مشتركة للانطلاق نحو مزيد من التعاون بما يخدم مصلحة الطرفين. فبالنسبة لليابان، ورغم أن هذه الدول تحتل المرتبة الرابعة عالمياً كأكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي بلغ 4.2 تريليونات دولار عام 2023، فإن الاقتصاد الياباني يشهد تباطؤاً ملحوظاً منذ سنوات، حيث كان متوسط معدل النمو الحقيقي في اليابان سنوياً من عام 2000 وحتى عام 2022 لا يتجاوز 0.7%، وهو ما ساهم في تراجع مكانة الاقتصاد الياباني من المرتبة الثانية عالمياً إلى المرتبة الرابعة وثمة مؤشرات إلى تراجعه مرتبة أخرى مقابل الاقتصاد الهندي، ومن ثم فاليابان تبحث عن شركاء بقوة الاقتصاد الخليجي من أجل أن تتحرك باتجاه استعادة معجزتها التنموية.

في المقابل، تحرص دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز شراكاتها العالمية، ولا سيما الاقتصادية وتمثل اليابان أحد القوى الاقتصادية العالمية المهمة التي تشكل شريكاً مهماً لها، وهناك مجالات كثيرة يمكن للاقتصادات الخليجية أن تستفيد من اليابان فيها، بما في ذلك مجال الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد، فضلاً عن التعاون في تطوير البنية التحتية الذكية، بما يعزز موقع المنطقة كمحور للتجارة العالمية.

كما أن هناك العديد من الفرص المستقبلية التي يمكن أن تخدم مصالح الجانبين، بما في ذلك تعزيز التعاون في مجال الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.

وتتميز العلاقات الخليجية اليابانية بجانب آخر مهم، وهو التوافق الكبير في المواقف والرؤى السياسية تجاه تطورات منطقة الشرق الأوسط والعالم، وهو ما يخلق أرضية من المصالح السياسية والأمنية المشتركة التي تخدم قضايا الطرفين. خلاصة الأمر، ثمة فرصة كبيرة أمام دفع العلاقات الخليجية اليابانية نحو آفاق أرحب من الشراكة والتعاون بين الجانبين، ولا سيما في ظل توفر الإرادة السياسية، وتعدد مجالات التعاون المستقبلي، وهو أمر يخدم المصلحة الخليجية في تنويع وتعزيز شراكات المنطقة الدولية.