لا يمكن الحديث عن تطور المسرح دون التطرق إلى الحركة النقدية التي تواكبه، فهي المرآة التي تعكس ملامحه وتوجه مساراته وتصوّب أخطاءه. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة ورغم الحراك المسرحي النشط منذ سبعينيات القرن الماضي، ظلت الحركة النقدية تعاني من تذبذب في حضورها وضعف في التراكم المعرفي وقلة في الدراسات المعمقة التي ترصد التحولات وتفكك الظواهر المسرحية. مع وجود بعض المحاولات القليلة جداً لصياغة رؤى نقدية واضحة حول الحركة المسرحية في الإمارات.

ومن هذه المحاولات ما تقوم به دائرة الثقافة بالشارقة من خلال الندوات الفكرية المصاحبة للمهرجانات المسرحية وبعض إصداراتها. ولكن هذا بالطبع لا يغني عن وجود حركة نقدية فنية شاملة تنظر بعين فاحصة إلى الأساليب المسرحية المتبعة في الكتابة والإخراج والتمثيل، وتوجه الساحة المسرحية إلى مسارات مسرحية إبداعية جديدة.

والملاحظ أن النقد المسرحي في الإمارات كثيراً ما اقتصر على التغطيات الصحفية السريعة أو الانطباعات العامة التي تُنشر عقب العروض المسرحية. دون الدخول في قراءة تحليلية تستند إلى منهج علمي واضح أو رؤية نقدية متخصصة. وقد ساهم ذلك في غياب الحوار الحقيقي بين النقاد والمخرجين والكتّاب والجمهور، ما قلّص من أثر النقد كمحرك للتطور الإبداعي.

ناهيك عما يحدث في الندوات التطبيقية التي تعقب العروض المسرحية، من عدم وجود متخصصين يستطيعون تحليل العروض المسرحية بشكل مؤسس علمياً. حيث يغلب على هذه الندوات المجاملات والتطبيل من قبل المقربين من هذه الفرقة أو تلك. وأحيانناً أخرى يكون العكس، حيث يقوم المتحزبين ضد فرقة ما أو مخرجٍ ما من رشق تلك العروض التي لا تستهويهم بكل العيوب والأخطاء.

وعند مقارنة المشهد النقدي الإماراتي بنظيره في بعض الدول العربية مثل مصر أو تونس أو المغرب، نلاحظ وجود تقاليد نقدية راسخة في تلك الدول. مدعومة بوجود أقسام أكاديمية متخصصة في النقد المسرحي ومجلات ودوريات علمية ونشاط بحثي مستمر. ففي مصر مثلاً، لعب النقاد دوراً جوهرياً في تشكيل الوعي المسرحي من خلال تنظيراتهم ومشاركاتهم في الندوات والملتقيات المسرحية.

أما على المستوى العالمي، فنجد أن الحركة النقدية في أوروبا وأمريكا تتسم بالاحترافية والتنوع المنهجي. حيث يتداخل فيها النقد الأكاديمي بالنقد الصحفي والثقافي، ويتمتع النقاد بمكانة مرموقة في المشهد الفني. كما أن العلاقة بين النقد والمؤسسات الفنية أكثر تفاعلاً، وتلعب دوراً حاسماً في تقييم العروض ودعم التجارب الجديدة.

إن تطوير الحركة النقدية المسرحية في الإمارات يتطلب تأسيس بيئة حاضنة للنقد البناء، عبر دعم الدراسات المسرحية وتشجيع النقاد الشباب وتوفير منصات متخصصة للنقاش والتحليل وصولاً إلى خلق توازن حيوي بين الفعل المسرحي والرؤى النقدية، يضمن استمرار النضج والتطور للمشهد الفني المحلي.