سناء سهيل
في يوم المرأة الإماراتية، نقف أمام محطة سنوية بالغة الرمزية، لا للاحتفال فحسب، بل للتأمل العميق في المسار الوطني الذي وضع المرأة في قلب المشروع التنموي للدولة. لقد كان هذا المسار - منذ تأسيس الدولة - رؤية ثابتة ومستمرة، رسّخها الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وتعزّزت بقيادة آمنت بأن المرأة ليست طرفاً داعماً فحسب، بل شريك أساسي في تشكيل ملامح المستقبل.
ومع كل تقدم تحققه المرأة الإماراتية في مسيرتها، تبرز حاجة مُلحّة لإعادة النظر في المفهوم التقليدي للتمكين، وتوسيعه ليشمل أبعاداً جديدة، تمسّ حياة المرأة بكل تنوعها. فالتمكين لم يعد مرادفاً لوصول المرأة إلى الوظائف أو المناصب فقط، بل أصبح عنواناً شاملاً لنوعية حياتها، ولخياراتها، وقدرتها على أن تكون في مواقع التأثير.
استطاعت المرأة الإماراتية اليوم، أن تثبت جدارتها في مختلف المواقع، فأصبحت حاضرة بقوّة، في مراكز صنع القرار، وفي صميم المنظومة الاقتصادية، وفي الميدان المجتمعي والإنساني. وتشير الأرقام إلى أن النساء يشكلن نحو 66 % من موظفي القطاع الحكومي، ويشغلن ما نسبته 30 % من المناصب القيادية، و15 % من الأدوار التخصصية والأكاديمية، حسب بيانات مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين.
وللمرأة الإماراتية دور جوهري في القطاعات الحيوية، إذ يمثلن أكثر من 40 % من العاملين في قطاع التعليم، وما لا يقل عن 35 % في القطاع الصحي، ونحو 20 % في الشؤون الاجتماعية. إضافة لذلك، تشكل النساء نسبة 30 % من العاملين في السلك الدبلوماسي، إذ يشغلن 234 منصباً، من بينها 42 في البعثات الخارجية للدولة، ويشغلن ما نسبته 27.3 % من التشكيل الوزاري بواقع 9 وزيرات.
وعلى صعيد ريادة الأعمال، تدير أكثر من 23 ألف سيدة أعمال إماراتية، مشاريع تتجاوز قيمتها 50 مليار درهم، ما يعكس ازدهار البيئة الاقتصادية الداعمة للمرأة.
هذه النجاحات، رغم أهميتها، ليست نهاية الطريق. فالتمكين لا يكتمل ما لم يتحول من مؤشرات إلى واقع ملموس، تعيشه المرأة في تفاصيل حياتها اليومية. وهو ما يدفعنا إلى إعادة التفكير في مفهوم التمكين نفسه، والخروج به من إطار الإنجاز المؤسسي، إلى إطار الحياة العامة.
في وزارة الأسرة، ننظر إلى تمكين المرأة من منظور تكاملي وشامل. نؤمن أن الرعاية الاجتماعية والصحة النفسية، وتوافر الدعم في محطات الحياة الأساسية، ليست خدمات هامشية، بل هي مكونات مركزية في أي سياسة تمكينية حقيقية.
فالمرأة هي الأم، والمربية، وصانعة الاستقرار الأسري. ولا يمكن أن نُطالبها بالمشاركة في التنمية الوطنية بدون أن نوفر لها شبكة دعم تضمن لها بيئة آمنة ومتزنة، سواء اختارت أن تعمل، أو تفرغت لرعاية أسرتها، أو جمعت بين الدورين. تمكين المرأة لا يعني دفعها نحو قالب واحد، بل احترام جميع أدوارها وتمكينها من الاختيار.
ولهذا، فإن السياسات الفعالة، يجب أن تتيح للمرأة فرصاً مرنة في العمل، وأن تدعم التوازن بين المهام المهنية والأسرية، وتوفر مسارات للنمو المهني والشخصي في آنٍ معاً.
كما يجب الاعتراف بقيمة العمل غير المدفوع الذي تؤديه النساء في منازلهن ومجتمعاتهن، ودوره الحاسم في بناء رأس المال الاجتماعي، الذي تعتمد عليه الدولة في استدامة النمو والرفاه.
التمكين الحقيقي للمرأة الإماراتية، رحلة تبدأ من الاعتراف، وتمضي عبر السياسات، وتُتوَّج بالتحقق على أرض الواقع. والمرأة المُمكَّنة ليست وحدها من يستفيد من هذه الرحلة، بل المجتمع بأسره. فهي الضامن للأسرة المستقرة، والحاضنة للأجيال، والشريكة في القيادة، والمحرّك للتنمية.
في يوم المرأة الإماراتية، نؤكد التزامنا في وزارة الأسرة، بأن يكون هذا التمكين مشروعاً متكاملاً، عادلاً، ومستجيباً لتنوع احتياجات النساء وتطلعاتهن، وأن يجعل من كل امرأة عنصراً فاعلاً، على قدر طموحها، وبما يتناسب مع اختياراتها. كل عام ونساء الإمارات بخير، وكل عام وهنّ رمز للقوة، والتوازن، والنهضة المستدامة.