تحت رعاية جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية عقد مؤتمر في أبوظبي بتاريخ 14 - 15 أبريل تحت عنوان «المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك». وقد حضر المؤتمر العديد من الأساتذة والعلماء والأكاديميين والباحثين.
ولا شك في أن المؤتمر اكتسب زخماً كبيراً بسبب أهمية الموضوع وإلحاحه على الساحة العربية والإسلامية.
وقد افتتح المؤتمر بكلمة متميزة للعلامة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ورئيس المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. كلمة تناولت التأصيل الفقهي لقضية المواطنة والهوية والعيش المشترك.
ومن نافل القول أن في التراث الإسلامي كثيراً من المخزون الفكري لتحقيق المعادلة المهمة بين مواطنة الناس وهويتهم والحفاظ على قيم العيش المشترك بينهم.
وقد تبع الشيخ الجليل مفكرون آخرون تحدثوا عن الموضوع من زاوية التأصيل الفقهي لهذه القضية الشائكة، والتي تشكل معضلة كبيرة لعالمنا العربي. الحروب والصراعات تدور على الموارد .
وكذلك على قضايا جوهرية تمس كيان الإنسان الوجداني. ودون الحفاظ على الهوية الوطنية وعلى قيم التسامح والتعايش مع من يختلف في الدين وفي الهوية الوطنية والأصول الإثنية، فإن الاستقرار لن يكون لأي بقعة في العالم.
وقد أصبح قدر الإنسان المعاصر أن يعيش في عصر العولمة، والتي أصبحت فيها المسافات قريبة أكثر من الخيال، يتواصل فيها الأفراد من كل أصقاع العالم ويترابطوا بمصالح وقواسم أكثر من أي وقت مضى.
أصبح العالم أكثر تقارباً ولكنه في الحقيقة أكثر تصارعاً. كثير من الهُويات تتنازع على المستوى الدولي وعلى المستوى الوطني وحتى المحلي. فبدلَ أن يكون الوطن جامعاً للهويات؛ أصبحت الهويات تمزق الأوطان.
ورأينا كيف أصبح لبنان مختطفاً من قبل هويات متنازعة وتدخلات خارجية اخترقت مسامات الهويات المتناحرة. وما زال الوطن والمواطن رهينة هذه الأحوال التي لا تبشر بخير.
كان لي ورقة بعنوان «الهوية الوطنية والجماعة السياسية» في المؤتمر. وفي مداخلتي عبرت عن أهمية الجماعة السياسية. وقد قلت بأن «الجماعة السياسية مجالها مختلف عن الدولة والهوية. وهي تتعلق بإجماع القيم السياسية والمنظور الكوني والقواسم المشتركة للأمة والدولة».
ولكن مع التطورات التي تشهدها الدول، فإن الجماعة السياسية لا يمكن حصرها في الجماعة الوطنية. ففي بلد مثل الإمارات حيث توجد جاليات متعددة المشارب والجنسيات، يجب خلق وعاء يجمع في إطار وطني المواطن المقيم وهو إطار قيم العيش المشترك.
وعلى هذا الأساس جاءت «مبادئ الخمسين» للدولة كاستراتيجية وطنية للعقود الخمسة القادمة وتتكون من عشرة مبادئ. وتعلن ديباجة الوثيقة أن «المبادئ العشرة لدولة الإمارات خلال الخمسين عاماً القادمة مرجعاً لجميع مؤسساتها لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً».
ومن احدى هذه المبادئ وهو المبدأ الثامن، والذي جاء فيه أن «منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوّة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية».
إن هذه المبادئ الاستراتيجية للدولة تتكيف مع الاندماج الذي حصل عبر الخمسين سنة الماضية مع المنظومة الدولية وتعاظم تأثير قوى العولمة على الدولة والمجتمع الإماراتي، كأي دولة ومجتمع.
وختاماً، لا يسع المرء إلا أن يتذكر في هذا المقام رحيل البابا فرنسيس رجل التسامح والتعايش بين الشعوب. ولا نستطيع إلا أن نتذكر توقيع الحبر الأعظم والإمام الأكبر سماحة شيخ الأزهر وثيقة الإخوة الإنسانية في 4 فبراير 2019.
والتي اعتمدتها الأمم المتحدة (4 فبراير) يوماً للإخوة الإنسانية. وقد قال سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: «الناس صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْـخَلْقِ».