قد يبدو السؤال غريباً، لكن الذي يدعو لطرحه هذه الأيام صورة صحفية انتشرت كالنار في الهشيم يوم الاثنين الماضي جمعت دونالد ترامب، بعدد من قادة الدول الأوروبية.
من بين المقولات الثابتة التي يسمعها ويتعلمها طلاب كليات ومعاهد الإعلام والصحافة أن الصورة بألف كلمة.
ولا أعرف هل لا تزال الصورة بألف كلمة أم أن السعر ارتفع مع كل السلع التي ارتفعت عالمياً، بحيث إن الصورة صارت بمليون أو حتى ربما بتريليون كلمة؟!
في ظني الشخصي أن هذه الصورة يمكنها أن تغني عن مئات بل وآلاف المقالات البحثية وبرامج التحليل السياسي، لأنها تقول كل شيء تقريباً.
الصورة لمن لم يشاهدها يبدو فيها ترامب وهو جالس في مكتبه بالبيت الأبيض وأمامه اصطف أهم قادة الدول الأوروبية وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، والمستشار الألماني، فريدريش مريتس، ورئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا مليوني، والرئيس الفنلندي، ألكسندر ستاب، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، إضافة إلى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينيسكى.
بل إنه ترك ضيوفه الأوروبيين لمدة 40 دقيقة ليهاتف نظيره الروسي.
ومن يراجع طريقة استقبال وجلوس ترامب مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في آلاسكا الأمريكية سوف يدرك هذا الفارق بوضوح.
هذا واقع تعيشه منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، وهو واقع مستمر منذ عقود طويلة، لكن غالبية الرؤساء الأمريكيين كانوا أكثر كياسة ودبلوماسية في تغليف هذا الواقع بطريقة رقيقة لا تحرج الأوروبيين.. لكن ومع مجيء ترامب فقد أصر على أن يخرج الأمر من الغرف المغلقة إلى كاميرات التلفزيون.
لم يكن أحد يتصور أن يتكرر الأمر مع قادة الدول الأوروبية الكبرى، خصوصاً بريطانيا وألمانيا وفرنسا.. لكنه كرر نفس الصورة شديدة الرمزية.
والأخطر أنه أعلن أكثر من مرة ضرورة تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها لروسيا، وليس شبه جزيرة القرم فقط، إضافة إلى إصراره على عدم إمكانية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، أو إمكانية مساهمة الناتو في أي ضمانات أمنية كبيرة مستقبلية لأوكرانيا.
الأوروبيون لم يملكوا إلا استجداء واستعطاف ترامب، من أجل أن يكون موقفه منحازاً لأوكرانيا أو حتى متوازناً.. لكن كل ذلك لم يحدث، والأيام المقبلة سوف تخبرنا عن معانٍ جديدة لصورة يوم الاثنين الماضي.