هناك شكوى دائمة من قبل النقاد للسينما المصرية، حول صورة المرأة في السينما، بدعوى أن في معظم الأفلام التي يتم إنتاجها تحبس «الست المصرية» في أدوار تسيء إلى صورتها الحقيقية، فتظهر مثلاً في دور الغانية أو الراقصة أو الخائنة لزوجها، أو بائعة المخدرات أو مبتزة الرجال، أو المعلمة الغلباوية، أو زعيمة العصابة، أو الخادمة السارقة لمخدومها.

وهذا، وإن كان ظهر خصوصاً في أفلام الموجة الهابطة، إلا أن السينما المصرية قدمت في المقابل أفلاماً كثيرة تعلي من شأن المرأة، وتبرز كفاحها من أجل وطنها وأسرتها ومجتمعها ولقمة عيشها، حيث ظهرت في العديد من الأعمال كمحامية تدافع عن الحق والحقيقة، وطبيبة تعمل بإباء وضمير، ومعلمة أجيال مخلصة لعملها، ومهندسة تسهم في بناء وطنها، وصحافية تطارد المفسدين، وطالبة علم تنشد المعالي.

وبإيجاز شديد، قدمت السينما المصرية على مدار تاريخها الطويل، كل النماذج النسوية الموجودة في المجتمع، سواء ذوات الصورة السلبية أو الإيجابية، كي تبقى مرآة عاكسة للواقع.

وللناقد السينمائي محمود عبد الشكور رأي معتبر، مفاده أن السينما المصرية ترجمت صورة المرأة المصرية، بما يناسب صورة المجتمع نفسه، «ففي الماضي كانت المرأة مهمشة، وكان ظهورها في الأفلام عبارة عن وسيلة للبهجة والإغراء أحياناً فقط، ولكن في الستينيات عبّر المخرجون عن وجود المرأة بدور أكبر، فظهرت نماذج غير مسبوقة للمرأة، في شكل ساخر، مثل فيلم (الأستاذة فاطمة)، ثم تحول شكل المرأة من الشعبية إلى القوية، في فيلم (السفيرة عزيزة)، والمرأة التي تعلمت وازداد وعيها، كما في فيلم (الباب المفتوح)».

رقابة

وفي اعتقادي أن السينما المصرية لا تجرؤ على الإساءة لنساء مصر، ليس لأن هناك رقابة فنية على أعمالها، وليس لأن جزءاً كبيراً ومهماً من متابعيها هم من النساء، وإنما أيضاً لأنها تدين بالكثير للمرأة في قيامها كصناعة وطنية، ومؤسسة ثقافية وسلاح ناعم.

إذ لا يجب أن ننسى حقيقة الدور الرائد لكل من عزيزة أمير، وآسيا داغر، وبهيجة حافظ، في دخول مصر إلى عوالم الفن السابع من أوسع الأبواب.

فعزيزة أمير (1901 ــ 1952)، هي التي قامت ببطولة وإنتاج أول فيلم روائي مصري، وهو فيلم «ليلى» الصامت، الذي عرض في الصالات سنة 1927، وتكلف إنتاجه حوالي ألف جنيه (كان الجنيه المصري وقتذاك يعادل خمسة دولارات)، وتحدثت الصحف القاهرية عنه آنذاك، باعتباره فتحاً مبيناً، وإنجازاً مهماً في تاريخ البلاد.

ثم قامت في عام 1929 ببطولة فيلمها الثاني «بنت النيل»، الذي أنتجته وكتبت قصته بنفسها، وأخرجه المخرج البرتغالي باولو روكا، وفي عام 1933، قامت بإخراج وبطولة وكتابة قصة فيلمها الثالث «كفري عن خطيئتك».

أما آسيا داغر (1908 ــ 1986)، فهي الأخرى صاحبة دور ريادي في السينما المصرية، استحقت معه لقب «سيدة المنتجين»، كونها أول امرأة مصرية تقوم بتأسيس شركة لإنتاج وتوزيع الأفلام، وهي شركة «لوتس»، التي كانت باكورة أعمالها فيلم «غادة الصحراء» عام 1929، ناهيك عن أن آسيا قدمت من خلال شركتها جيلاً من المخرجين الجدد، الذين قامت الصناعة السينمائية على أكتافهم، من أمثال بركات وكمال الشيخ وعز الدين ذو الفقار وحسن الإمام.

بطولة

وأما بهيجة حافظ (1908 ــ 1083)، فقد لعبت دور البطولة في فيلم «زينب» في عام 1930، عن رواية تحمل نفس الاسم، لمحمد حسين هيكل باشا، وطبقاً لبعض المصادر، يعتبر هذا الفيلم أول فيلم مصري صامت، وليس فيلم «ليلى».

ثم قامت بهيجة بتأسيس شركة للإنتاج السينمائي تحت اسم «فنار فيلم»، التي أنتجت من خلالها فيلم «ليلى بنت الصحراء» في عام 1937، وهو أول فيلم مصري ناطق، وعرض في مهرجان برلين السينمائي في العام التالي، ونال جائزة.

والحقيقة أن بهيجة حافظ لم تكن ممثلة ومنتجه فقط، وإنما كتبت قصص أفلامها، ووضعت الموسيقى التصويرية لها، لأنها كانت من خريجات معهد الكونسرفتوار في باريس، وصممت أيضاً ملابس الممثلين وديكورات المشاهد.