وقبل النهايات الرسمية لهذه الحرب، شهدت مدينة يالطا السوفييتية حينئذ، في الفترة من 4 إلى 11 فبراير، المؤتمر الثلاثي الأهم، والذي رسم ملامح العالم لعقود طويلة تالية، بناء على نتائج هذه الحرب.
وهذه المرة كان الأمر يتعلق بصفة مباشرة وأساسية، بتلك الحرب الضروس التي تخوضها روسيا منذ قرابة الـ 4 سنوات، ضد جارتها الغربية أوكرانيا، والتي استولت خلالها على ما يقارب 20 % من أراضيها، ولا تزال تتقدم فيها.
وبدت هذه الحرب للعالم الغربي، وخصوصاً الشق الأوروبي منه، بمثابة كسر لكل القواعد التي أسفر عنها مؤتمر يالطا قبل ثمانين عاماً، وإنذاراً حقيقياً بتغيير القواعد الجيو- استراتيجية للأوضاع في القارة العجوز، بين شقها الغربي.
ممثلاً الآن في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبين شقها الشرقي، ممثلاً في الاتحاد الروسي بكل مقوماته، وخصوصاً العسكرية والسياسية.
ويشاء نفس القدر، أن يكون سبب انعقاد قمة ألاسكا الثنائية، وما سيترتب عليها من نتائج حاسمة، هو ما يدور من حرب في أوكرانيا نفسها، والضم المتوالي من جانب روسيا لأجزاء من أراضيها، وأولها شبه جزيرة القرم، التي تقع فيها مدينة يالطا.
وإذا كان تقسيم ألمانيا، وعاصمتها برلين، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، بين الحلفاء المنتصرين، هو النتيجة الرئيسة لمؤتمر يالطا، فضلاً عن تعديلات في أراضي بولندا، فإن المعنى الرئيس لهذا المؤتمر، كان هو القبول الأمريكي والبريطاني والغربي بالنفوذ المطلق لموسكو، عاصمة الاتحاد السوفييتي حينها، على شرقي ووسط شرقي أوروبا، ودمج هذا الاتحاد بشروطه في النظام الدولي، ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة، بمختلف هيئاتها ووكالاتها.
كما أن القبول المتوقع بمطالب موسكو بعدم مد نطاق حلف الناتو لدول أخرى مجاورة لبلدها، وخصوصاً أوكرانيا، والاكتفاء بما يسمى الضمانات الأمنية التي لا تمس شروط موسكو، ولا تهدد أراضيها، سواء الأصلية أو المضافة، بأي مخاطر مستقبلية، كل هذا يرسم قواعد استراتيجية جديدة مستقرة في القارة الأوروبية، قامت كلها على استخدام القوة، الذي قامت به روسيا عبر عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
كذلك، فإن المرجح والواضح، هو أن إعادة دمج روسيا في النظام الدولي بمختلف مستوياته، السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية، بقصد وجهد من إدارة الرئيس ترامب، ستكون هي النتيجة المباشرة السريعة لقمة ألاسكا، وهو ما يعيد العالم، ولو نسبياً، إلى حالة القطبية الثنائية، التي تلت الحرب العالمية الثانية، وإن ظل هذا على الصعيد الاستراتيجي والعسكري، وليس الاقتصادي، الذي ستظل الصين، وبعدها الهند، هما الدولتان الأكثر تأثيراً في مستقبله القريب والمتوسط.