نجح فيما يبدو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تحقيق اختراق مهم، إذ تمكن من الحصول على موافقة الرئيسين الروسي والأوكراني، لعقد لقاء ثنائي بينهما خلال الأسبوعين المقبلين، وربما يكون متبوعاً بلقاء ثلاثي مع ترامب، وحتى رباعي في مرحلة متقدمة بحضور الأوروبيين.

وكان مثل هذا اللقاء يعد أشبه بالمستحيل نظراً لرفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المبدئي والمتكرر التعاطي مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي كان يعتبره غير شرعي، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الأوكراني الذي يقع تحت طائلة مرسوم صادر عن مجلس الدفاع والأمن القومي.

وجاءت هذه التطورات خلال قمة غير مسبوقة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، هي إيطاليا وفرنسا وألمانيا وفنلندا وبريطانيا وأوكرانيا، وبحضور الأمين العام للحلف الأطلسي والمفوضة السامية الأوروبية، لتضع حداً لهذه الموانع.

وكان الحضور الأوروبي في اللقاء الذي كان من المقرر أن يكون فقط بين ترامب وزيلينسكي، سنداً واضحاً للرئيس الأوكراني جنبه مآلات لقاء فبراير الماضي العاصف، حيث كان تعرض لمواقف وانتقادات وصفت حينها بالعدوانية تجاهه.

ولا يعرف ما إذا كانت التطورات الجديدة هي نتيجة مباشرة لتغير في المواقف باتجاه التقارب أم هي مجرد ترضية من بوتين إلى ترامب لإضفاء مسحة من النجاح على لقاء الرئيس الأمريكي، بالرئيس الأوكراني، والوفد الأوروبي رفيع المستوى المرافق.

لقاء البيت الأبيض الاثنين كان المرحلة الثانية بعد القمة التي جمعت دونالد ترامب، وفلاديمير بوتين، في ولاية ألاسكا الأمريكية والتي كانت بشهادة الطرفين مثمرة، رغم موجة التشكيك الأوروبية والأوكرانية في ذلك، حيث كانت المساندة الخجولة هي الاستثناء.

ويبدو أن القرار الروسي القبول بفكرة نقل المباحثات إلى مستوى أعلى، وإقرار مبدأ عقد لقاء ثنائي مع الرئيس الأوكراني، هو من جهة، استجابة مباشرة لطلب الرئيس الأمريكي، الذي قد يكون قبل هو الآخر بوجاهة المطالب الروسية، ومن ناحية ثانية هو تلبية لمطالب روسية ملحة، بدءاً من ضرورة رفع العقوبات المفروضة عليها .

والتي بدأت تؤثر بشكل واضح على الواقع الاقتصادي والمعيشي في روسيا، والعودة بالتالي إلى النسق العادي للمعاملات الدولية، ما يستدعي تغييراً جذرياً في طبيعة الاقتصاد والقطع التدريجي مع اقتصاد الحرب الذي يلتهم 40% من الموازنة الروسية.

وإذ تحتاج أوكرانيا إلى توفير ضمانات جدية لمنع أي سلوك عدائي مستقبلي ضدها، وهو ما تم إقراره والعمل عليه بالتنسيق بين الأوروبيين والأمريكيين خلال لقاء الاثنين في البيت الأبيض،.

فإن روسيا تطالب هي الأخرى بضمانات ليس أقلها، إقلاع أوكرانيا النهائي عن فكرة الانضمام إلى حلف الناتو وتصفية الخلاف على الأرض، وهي لذلك تريد اتفاقية سلام تقضي على جذور الصراع، وترفض في المقابل الحديث عن مجرد وقف إطلاق النار.

ومسألة الضمانات من الجانبين هي معقدة وحساسة وتستوجب بالفعل التفاوض المباشر بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يرجح سيناريو تنظيم جولة مفاوضات تمهيدية بين الطرفين يتم التوافق فيها على التزامات كل الأطراف، وهي جولة من الصعب جداً أن تكون على مستوى القمة، بل الأرجح أن تكون بين وفدين من مستوى رفيع مخولين لاتخاذ القرارات وربما بحضور أمريكي لتكون القمة بين الرئيسين تتويجاً لها.

إن لقاء القادة الأوروبيين والرئيس دونالد ترامب تمكن بالفعل من تحقيق بعض الاختراقات، ولكنه أكد حقيقة لا غبار عليها وهي أن أوكرانيا كما أوروبا لا تزالان في حاجة أكيدة للمظلة الأمريكية، وهو الأمر الذي يعيه الرئيس الأمريكي تماماً ويسعى إلى استغلاله وتوظيفه لمصلحة بلاده.

وهو ما يفهم من الالتزام الأوروبي بتخصيص 150 مليار دولار لتأمين شراء الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا في إطار توفير إحدى الضمانات الأساسية المتفق عليها، إن ترامب يسعى بالفعل إلى تحقيق السلام ولكنه سلام مربح ومثمر للاقتصاد الأمريكي.