أدهشني القدر، فقد كنت أقرأ في ذات الوقت كتاب «إيكيجاي: السر الياباني لعيش حياة طويلة وسعيدة»، للمؤلفين «هيكتور غارسيا» و«فرانسيسك ميرالس»، وفي هذا التزامن تولّدت في رأسي فكرة: ماذا لو نظرنا إلى مقولة الشيخ زايد من خلال عدسة «الإيكيجاي» الياباني؟ ماذا لو ابتكرنا مفهوماً إماراتياً موازياً، نسميه «إيكيجاي الثقافة الإماراتية»، أو «سرّ الدلة والقهوة: العيش بالهوية»؟
وجذور الفكرة تتجلى في قرى «أوكيناوا»، حيث يعيش أطول الناس عمراً في العالم. سكان هذه الجزر يحتفظون بنشاط يومي، ويمارسون عادات غذائية متوازنة.
في الصحراء، مارس الفروسية، نظم الشعر النبطي، وصاد بالصقور. في البحر، غاص للؤلؤ، بحثاً عن جمال مكنون في أعماق الخليج. هذا الشغف بالطبيعة والبيئة لم يكن تسلية، بل هوية راسخة.
كل موروث كان تمريناً على الصبر والإتقان، وأداة لتماسك الجماعة)، أما الثالثة فهي خدمة المجتمع، فالمجلس الإماراتي نموذج للحوار وحل الخلافات. القهوة رمز للكرم، والضيافة فعل يومي يؤكد أن الإنسان يعيش للآخر بقدر ما يعيش لنفسه.
هنا يصبح «الإيكيجاي الإماراتي» مشروعاً جماعياً، يربط الفرد بجماعته، ويمنحه سبباً أكبر من ذاته، وفي النهاية نتحدث عن العائد أي ما يضمن الاستمرارية، حيث كان اللؤلؤ هو العائد الأثمن، ثم أصبح النفط، واليوم تنوعت الموارد بين الاقتصاد والسياحة والثقافة.
ومع ذلك، يبقى العائد الأعمق هو المعنوي: استمرار الهوية، وخلق مستقبل متجذر في الماضي.
ومع ذلك، صاغ الطرفان فلسفة حياة: اليابان عبر الإيكيجاي، والإمارات عبر قيم الأخلاق والعمل والهوية التي أكدّها الشيخ زايد.
هذه الفلسفة تقابلها رؤية الشيخ زايد، الذي أكّد أن الأخلاق والعلم والشهامة هي اللبنات التي تبني الأمم وتصوغ مستقبلها.
فالمعنى عند اليابانيين فردي يتجسد في تقاطع الشغف والمهارة والغاية، بينما عند الشيخ زايد يتجلى في بناء مجتمع أخلاقي قادر على حمل أمانة التنمية والتاريخ.
ومع ذلك، يلتقيان في نقطة جوهرية: الإنسان لا يعيش لذاته وحده، بل يعيش لرسالة أوسع، للآخرين وللأجيال القادمة.
الفارق أن الإيكيجاي يضع الفرد مركزاً، والشيخ زايد يضع الأمة إطاراً، لكن كلاهما يسيران في اتجاه واحد: تحويل الحياة إلى فعل هادف ومثمر.
وهذه الفكرة تشبه ما آمن به الشيخ زايد حين جعل المجلس مؤسسة يومية للحوار، واعتبر القهوة والضيافة رمزاً للكرم والربط بين الناس. الهوية اليابانية وجدت في «الإيكيجاي» خيطاً لربط الفرد بجماعته، والهوية الإماراتية وجدت في التراث والعادات و«السنع» سبيلاً لتوحيد الفرد بالمجتمع.
ومع ذلك فإن فكر الشيخ زايد، حسب وجهة نظري أكثر أصالة ورسوخاً وشمولية: فهو يربط نشوء وتطور الحضارة بالعلم وبالقيم (حسن الخلق والشهامة) وكذلك التعلق بالتراث (معرفة الماضي والتطلع للحاضر والمستقبل).