منذ فجر التاريخ كانت الأوهام والخرافات أدواء عضالاً تهدد المجتمعات، وتنخر في وعيها وإيمانها، وتتخذ صوراً متعددة وأشكالاً متجددة، وتلبس في كل عصر أقنعة جديدة، لتغري النفوس الضعيفة الباحثة عن الأمل الكاذب، وتغوي اليائسين، الذين يبحثون عن حلول زائفة لمشكلاتهم، ولو بأن يتشبثوا بقشة لا تنفعهم في شيء.

فيلجؤون إلى أناس يزعمون أنهم يمتلكون حلولاً سحرية، وأنهم قادرون على فك عقد الحياة، وكشف أسرار المستقبل، وهم في حقيقة الأمر مصنفون كونهم دجالين ومشعوذين ومنجمين وعرافين، يتاجرون بآلام الناس، ويروجون لهم بضاعتهم الكاسدة.

وقد تجاوزت هذه الظواهر في العصر الحديث المظاهر التقليدية، لتتسلل عبر وسائط رقمية وحسابات اجتماعية، يدعي أصحابها أنهم يعرفون الغيب، ويفكون الأسرار، ويضعون لأنفسهم ألقاب خبراء ومستشارين وروحانيين وغير ذلك، لإضفاء هالة زائفة على ادعاءاتهم.

إن الإنسان بطبيعة الحال يمر بظروف مختلفة، وقد تعترض طريقه مشكلات وأزمات، يعجز عن إيجاد حلول لها، فيقع في دوامة القلق، ويبحث عن مخارج سريعة دون وعي، ويلتمس الطمأنينة النفسية في غير مساراتها الصحيحة.

ومن هنا يصبح فريسة سهلة لهؤلاء الدجالين، فيلجأ إليهم، ويخاطر بنفسه وماله، باحثاً عن هذا الخلاص الموهوم، مدفوعاً إلى ذلك بانعدام الوعي، أو بانكسار نفسي جمح به.

وقد عالج الإسلام هذه المعضلة، فمد يده إلى اليائسين والمنكسرين والمحرومين، ليرفعهم إلى مقام علي، يجدون فيه السلام النفسي والسكينة والاطمئنان، حينما يتعلقون برب الأرض والسماء، الذي خلقهم، وقدر لهم هذه المقادير لحكم كبرى، فيؤمن الإنسان بقدر الله تعالى، وحكمته، ورحمته، ويستجلب منه دفع المضار وجلب المنافع، ويحسن التوكل عليه، مستحضراً قوله عز وجل:

{وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وقول نبينا، عليه الصلاة والسلام: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».

وفي المقابل سد ديننا الحنيف الطريق أمام المشعوذين والدجالين وأشباههم، فجرم فعلهم، وحرّم الإتيان إليهم وتصديقهم، وعدّ ذلك من كبائر الذنوب، لأن في الانقياد إليهم إفساداً للعقيدة، وإضعافاً للعقل، وهدراً للمال، وضياعاً للجهد فيما يضر ولا ينفع، ونشراً للخرافة والتخلف، وقد حذر النبي، صلى الله عليه وسلم، من يمارسون هذه الأعمال.

ومن يقصدونهم ويطرقون أبوابهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من تَطَيَّر ولا من تُطُيِّر له أو تَكَهَّن أو تُكُهِّن له أو تَسَحَّر أو تُسُحِّر له»، بل توعد على ذلك أشد الوعيد، فقال: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»، وقال عليه الصلاة والسلام:

«من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، وحذر عليه الصلاة والسلام من كل الممارسات الدجلية مهما اختلفت أشكالها، وتنوعت مظاهرها، سواء كانت بادعاء علم الغيوب عن طريق النجوم أو رسم الخطوط على الرمال أو قراءة الطالع أو غير ذلك، أو ادعاء الاتصال بالجن والشياطين، أو أي شكل من أشكال الدجل والوهم، ومن ذلك على سبيل المثال ما يسمى بأوراق التاروت.

وقد وقف القانون الإماراتي بالمرصاد لتجار الأوهام، حفاظاً على المجتمع، فجرم كل من ارتكب بقصد استغلال الغير أو الإضرار به عملاً من أعمال المخادعة أو الشعوذة أو الدجل، سواء كان ذلك حقيقة أو خداعاً، بمقابل أو بدون مقابل، كما جرم كل من استعان بآخر في هذه الأعمال، أو حاز أي نوع من الأدوات المخصصة لها، أو روج لهذه الأعمال بأي وسيلة من الوسائل.

إن مواجهة مثل هذه الممارسات مسؤولية مشتركة، تبدأ من الإنسان نفسه، بقوة إيمانه بربه، وتحليه بالوعي واليقظة، وعدم انسياقه لأي صوت كاذب يروج للأوهام، مهما تزينت وتلونت، ليكون بذلك درعاً حصيناً لمجتمعه ووطنه.