اكتشف العلماء أن هرمون «فوكس بي» المسؤول عن الكلام موجود لدى النساء بكميات كبرى عن تلك الموجودة عند الرجال، وهذا ما عده الباحثون أحد الأسباب التي تجعل القدرات اللغوية لدى المرأة أكبر، وهو أحد الأسباب التي تدفعها للتحدث أكثر من الرجل.

وليست المرأة الوحيدة التي تتمتع بهذا الهرمون الذي يشبع لديها غريزة الكلام، بل حتى معاشر الرجال لديهم نسبة منه؛ فهذا الهرمون يشبع لدينا جميعاً الرغبة الملحة في الكلام أو التحدث التي تعد ظاهرة طبيعية وصحية تفضفض عن مكنوناتنا، ذلك أن الإنسان عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس لا يهدأ له بال إلا حينما يجد أذناً مصغية تحتضنه وتفهمه وتشعره بالألفة.

ولذا كان من أساسيات العلاج النفسي حتى الطبي أن يمنح المريض فرصة ليفرغ ما في جعبته، فربما يتسلل إليه شعور بالراحة والطمأنينة، بل في كثير من الأحيان لا يقدم الأطباء النفسيون علاجاً.

كما أخبرني أحدهم، الذي فوجئ بأن مريضته قد خرجت من العيادة وهي تشكره من أعماق قلبها، مع أنه لم يقدم لها علاجاً قط! كان مجرد أذن مصغية وحانية.

إنها غريزة الكلام التي تتجلى حينما تجد من يفهمها، لا من يعنفها أو يزدريها أو يوبخها. وهذا سر شعورنا بالسعادة الغامرة حينما نجد من نتقاسم معه تلك اللحظات السعيدة، وكما قيل: «إن كل شيء إن قسمته نقص إلا السعادة فإنها تزيد عندما يتقاسمها شخصان متحابان».

واللافت أن دراسة نُشرت في موقع دورية «ساينس» العريقة، أظهرت أن الإنسان يتحدث يومياً بمعدل 16 ألف كلمة، مع وجود تفاوت بسيط بين الجنسين، غير أن المثير للاهتمام أن من يتحدثون أكثر غالباً ما يكونون أكثر شعوراً بالسعادة والثقة بالنفس، خصوصاً إذا ما طغى على حواراتهم الطابع الوجداني أو الفكري العميق، وليس مجرد ثرثرة سطحية، الأمر الذي يجعل الكلام وسيلة جيدة لبناء العلاقات وتعزيز أواصر المودة والراحة النفسية.

وتكمن أهمية التحدث في أنه ليس حالة عابرة، بل إحدى وسائل التواصل الأربع، فنحن نستمع بنسبة 40% من أوقاتنا ونتحدث بنسبة 35%، ونقرأ بنسبة 16% ونكتب بنسبة 9%، حسب دراسة شهيرة ذكرتها في كتابي: «أنصت يحبك الناس» وهذا يظهر أهمية هذه الغريزة في حياتنا التي تعد جزءاً أساسياً في التواصل مع الآخرين».

وكلامنا مع الآخرين وسيلة لجس نبضهم، ولا سيما حينما نتخذ قراراً يعنيهم، فبعضنا ينفرد بقرارات مهنية أو اجتماعية وينسى أن يستمزج آراء أصحاب الشأن. ومن الكلام ما تُصحح به أخطاء الماضي، وما يعاقب به، وما يكافأ به، وما يعاتب به، ويغضب به، ويُعلّم به.. وهو سبيلنا العفوي للرد على سوء الظن بنا أو التصدي لسهام النقد.

البعض ينتقد عشاق الكلام وينسى أن من الكلام ما هو بلسم لجروحنا وآلامنا، فكم من كلام جارح أو فظ قد يقض مضاجعنا لا يزيله إلا لحظات البوح والفضفضة. وكم من كلام لم يستحق أصلاً أن يُلتفت إليه، ولذا قال الإمام علي، كرم الله وجهه: «أحسن الكلام ما لا تمجه الآذان»، أي ما لا تستكرهه الناس أو تستهجنه، وقد قيل أيضاً: «خير الكلام ما قل ودل».