هذا مبدأ تتبناه بعض الأجهزة الاستخبارية العالمية. يقضي المبدأ بضرورة وجود صوتٍ مخالفٍ داخل أي مجموعةِ تحليلٍ أو صناعةِ قرار، حتى لو كان الجميع متفقاً على رأي معين.
فوفقاً لنظرية «الرجل العاشر» هذه، إذا اجتمع تسعة أشخاصٍ على استبعاد سيناريو معين، فإن مهمة الشخص العاشر تكون النظر في هذا السيناريو وكأنه واقع لا محالة. ليس لأن هذا الاحتمال أكثر منطقية، ولكن لأن طبيعة التفكير الجمعي قد تُغري بالتبسيط أحياناً، وتُهمل إشاراتٍ قد تكون بالغة الأهمية.
لكن هذه النظرية، أيّاً كان مكان وسبب نشأتها، تجاوزت حدود الاستخبارات والدوائر العسكرية الأمنية لتصبح ضرورة في كل موقع تُتخذ فيه قرارات مصيرية؛ في السياسة، والاقتصاد، والإعلام، والتعليم، بل حتى في إدارة الشركات والمؤسسات التجارية.
فحين تُسيطر نزعة الإجماع على العقل الجمعي، تُدفن الأسئلة الصعبة، ويتحوّل القلق المشروع إلى تهديدٍ يجب إسكاته، وهنا قد تقع الكارثة التي لا يريد لها أحد أن تقع.
وعلى عدم الانجراف خلف وهم المعرفة الكامل، فنحن نعيش في عصرنا هذا واقعاً تتزايد فيه المؤثرات، من وسائل الإعلام إلى الذكاء الاصطناعي، ومن «الترندات» اللحظية إلى القرارات المتسرعة. في ظل هذا الواقع، يصبح من السهل السقوط في فخ التحليل الكسول.
حيث يتبع الناس بعضهم بعضاً، معتقدين أن ما تُجمع عليه الغالبية هو بالضرورة الصواب، وينغلق الطريق أمام الآراء الأخرى، حتى لو كانت احتمالية صحتها مرتفعة ومنطقية. هنا، تأتي أهمية «الرجل العاشر» ليس كشخص، بل كآلية تفكير ومنهجية عمل. نحن بحاجة إلى من يقول: ماذا لو كنا مخطئين؟
ماذا لو أن المؤشرات التي نستبعدها هي الأهم؟ ماذا لو أن الأصوات المهمَّشة تحمل الحقيقة؟ هذا الصوت هو الضمانة الأخيرة في وجه الاستسهال، والركون إلى وهم الاتفاق.
حينما أجمع الكل على رؤية واحدة دون أن يجرؤ أحد على كسر السرب والخروج من دائرته. من هنا، يصبح إدراج هذه النظرية في مناهج التفكير المؤسسي والتعليمي والإداري ضرورة لا ترفاً.