عندما تقع كارثة طبيعية في الولايات المتحدة يكون سود أمريكا أول المتضررين. وهي نتيجة طبيعية لعقود طويلة من القهر والتمييز، بدءاً بالعبودية والفصل العنصري، ومروراً بالعنصرية المؤسسية في مجال الإسكان، ووصولاً لما صار يعرف بالعنصرية البيئية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مدينة نيو أورلينز، ذات الأغلبية السوداء، ألحق بها إعصار كاترينا عام 2005 كوارث لا تزال المدينة تجاهد للتعافي منها بعد عقدين كاملين.

والدمار الذي خلفته الحرائق الهائلة التي طالت منطقة لوس أنجلوس كان في أكثر صوره خراباً بمنطقة ألتادينا، السوداء تاريخياً، بما في ذلك مناطقها الأكثر ثراء.. وسيول تكساس الأخيرة أغرقت مناطق السود أكثر من غيرها.

ولتأثر السود أكثر من غيرهم بالكوارث الطبيعية أسباب تضرب بجذورها في عمق التاريخ.. ففي زمن العبودية، عاش أكثر السود بالجنوب الذي اعتمد اقتصاده الزراعي على العبيد حتى يحقق البيض ثروات دون تكلفة. وما إن انتهت العبودية حتى بدأت مرحلة الفصل العنصري التي فيها تم حصر السود في المناطق التي لا يرغب البيض في السكن بها.

وكانت الحكومة ضالعة في تلك السياسات عبر اختراع أدوات تبدو على السطح محايدة، ولكنها عنصرية المضمون.. فكان يتم مثلاً وضع قواعد للبناء في كل منطقة بحيث تحدد الحكومة طبيعة المنشآت المسموح ببنائها..

وهو ما له تأثيره حتى اليوم، فبمجرد أن يزور المرء منطقة ذات أغلبية سوداء وأخرى ذات أغلبية بيضاء يلحظ فوراً الفارق الضخم بين نوعية المباني وطريقة بنائها، وفضلاً عن ذلك، كانت الحكومة ترسم خطوطاً على الخرائط لإرشاد المستثمر لمناطق تعتبرها تمثل مخاطرة وأخرى تطلق عليها آمنة استثمارياً، ثم تمتنع عن تقديم المساعدات الفيدرالية للاستثمارات في مناطق الخطر.

ومناطق السود هي بالطبع مناطق المخاطرة.. وقد نتج عن ذلك شح واضح في الخدمات وندرة في الوظائف. ورغم أن تلك السياسات تم حظرها قانوناً عام 1968، إلا أن آثارها الكارثية لا تزال حاضرة.. فتلك السياسات التي امتدت لعقود طويلة، أدت لتحويل مناطق السود إلى جزر فقيرة ترتفع فيها البطالة وينعدم فيها الحد الأدنى من الخدمات، ما جعلها مرتعاً للجريمة والمخدرات، ليس لعيب في طبيعة السود.

كما يقولون زوار، وإنما بسبب تلك السياسات العنصرية التي لم تختفِ يوماً. بعبارة أخرى، ظل السود محرومين قانونياً ولعقود طويلة من السكن في مناطق البيض التي كانت تحظى بأفضل الخدمات والمرافق. أكثر من ذلك، حين انتهى الفصل العنصري قانونياً، ظل الفصل العنصري في السكن، على وجه الخصوص، واقعاً معاشاً عبر المسكوت عنه..

فالسود المكافحون من أجل امتلاك المال لشراء منزل بإحدى مناطق الطبقة الوسطى، البيضاء بالضرورة، لانتشال عائلاتهم من فقر مناطق السود، ما إن نجحوا في شراء المنزل ثم تبعهم لاحقاً سود آخرون، حتى هرب البيض من تلك المنطقة.

وبمجرد أن يزداد عدد السود بحي ما، يبخس العقاريون أسعار العقارات بالمنطقة فيفقد السود قيمة المال الذي دفعوه لشراء المنزل وتهرب الاستثمارات، وتتحول المنطقة تدريجياً لمنطقة فقيرة! معنى ذلك كله أن مناطق السود ليست مؤهلة بالمرة لتحمل تبعات التغير المناخي والكوارث الطبيعية.

والعنصرية المؤسسية تطال أيضاً البعد البيئي.. فعلى سبيل المثال، تقول الإحصاءات الرسمية إن عدد السود الذين ماتوا ضحية الكوارث الطبيعية ضعف عدد من ماتوا من البيض في تلك الكوارث..

وترتفع تلك النسبة في ولايات الجنوب إلى ثلاثة أضعاف.. أما السود الناجون بأرواحهم من تلك الكوارث، فتلحق بهم أزمات بالجملة، فالآلاف من الأسر السوداء بعد كل كارثة، تخسر كل ما تملكه، بدءاً بالمسكن والوظيفة ومروراً بما يتركونه لأولادهم من ثروة هي في الواقع العقار الذي جاهدوا لاقتنائه.

والمسألة لا تتوقف عند حد التأثر بالكوارث الطبيعية، إذ تشمل حتى مناطق السود البعيدة عنها، فلأنها مناطق مهمشة تاريخياً، فهي تعاني تلوثاً بيئياً، بل وباتت مرتعاً للشركات العملاقة للتخلص من نفاياتها الخطرة..

لذلك كله، فإن سياسات إيلون ماسك التي قامت بخفض التمويل والعمالة الحكومية بهيئتي البيئة والأرصاد، فضلاً عن هيئة الإغاثة الفيدرالية لها عواقبها المضاعفة على مقدرات السود أكثر من غيرهم.