فكانت السعادة معتدلة، في حين أن الخسارة البسيطة تولد خوفاً مضاعفاً للسعادة عند الربح، تجنب الخسارة شعور ينتاب المرء، أكثر من سعيه نحو تحقيق مكاسب بالقيمة نفسها.
فغالباً ما سيرفض المجازفة، حتى لو كانت فرصة الحدوث متساوية، بعبارة أخرى، البشر عادة ما يحتاجون إلى احتمالية ربح 2000 دولار، مقابل احتمالية خسارة المبلغ نفسه، للقبول بتلك المجازفة.
نجد هذا السلوك بارزاً في الاستثمارات، فكثير من الناس يحتفظون بالأسهم الخاسرة، على أمل تعويض خسائرهم غير المحققة، ويبيعون الرابحة على عجل، خوفاً من خسارة مكاسبهم.
في علم التسويق كذلك نسمع عبارات تنبثق من هذه الفكرة، مثل الكمية محدودة، أو لا تفوّت الفرصة، وذلك في مسعى لاستغلال نفور الناس من الخسارة، لتحقيق مكاسب مادية تحميهم أو تشعرهم على أقل تقدير بالأمان.
أو تحقيق درجات متدنية، مع أن الحياة عكس ذلك تماماً، فكل صدماتنا وخسائرنا، هي في الواقع ما صقلنا جيداً للتصدي للتحديات المقبلة بجسارة، فأكثرنا خسارة ربما أكثرنا تعلماً وقدرة على مواجهة نوائب الدهر.
فتجد المرء مستعداً للقفز المظلي أو عبر الحبل المطاطي (بنجي جمبيغ)، في حين تجده لن يُقدِم أبداً على أي استثمار فيه مخاطرة، والعكس صحيح!.. ولذلك ساعدنا العلم الحديث على معرفة بعض الجوانب الخافية في سلوكياتنا، منها أننا بشكل عام، نعمل حساباً أكبر للخسارة من المكاسب..
ولذلك نقدم في صناديق الاستثمار الحديثة استبياناً قصيراً، يكشف لنا مدى شهية أو قبول المستثمر للمخاطر، حتى يتم تصنيفه في المحفظة التي تناسبه (عالية المخاطر، أو متوسطة أو منخفضة).
مشكلة من يبالغ في رفع سقف توقعاتهم، فيتوقعون مثلاً أرباحاً خيالية، أو يصرون على تحقيق مكاسب لن تحدث إلا في خيالهم، تظل قدراتهم معطلة.
وكذلك أموالهم التي لن تنمو، وسوف تتآكل لا محالة مع الارتفاعات الحتمية للتضخم في السلع والخدمات. هذه الحياة مليئة بالمخاطر، ومن دون قبول شيء من تلك المخاطر المدروسة، يصعب أن ينال المرء مبتغاه. وقد لخص الشاعر أبو القاسم الشابي هذه الفكرة ببيت شهير: