تنتهي يوم الجمعة المقبل مهلة التسعين يوماً التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشركاء بلاده التجاريين، للوصول مع واشنطن إلى اتفاقات تجارية بشأن الرسوم الجمركية على صادراتهم.

وفي حين توصل عدد من الدول بالفعل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص، كي تتجنب الرسوم الجمركية القصوى على صادراتها، فإن غالبية شركاء واشنطن التجاريين، ما زالت تسعى لإبرام اتفاقات منصفة، لا تهدد صناعتها، وتضمن سلاسة دخول منتجاتها إلى السوق الأمريكية الواسعة.

سنخصص هذه المادة للحديث حصرياً عن مواقف دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية، وما ينتظر اقتصادها وصناعتها وتجارتها من آثار سلبية، إنْ لم تنجح في إبرام اتفاقات جيدة.

وقبل الخوض في الموضوع، من الجدير الإشارة إلى أن فيتنام، وهي إحدى الدول العشر الأعضاء في تكتل آسيان، توصلت مؤخراً إلى اتفاقية مع واشنطن، تضمنت فرض رسوم بنسبة 20 % على صادراتها، و40 % على السلع المنقولة عبرها، أي على السلع المنتجة في الصين والمصدرة من الموانئ الفيتنامية، مع سماحها بدخول السلع الأمريكية من دون رسوم.

كما أن دولة أخرى من دول آسيان، هي كمبوديا، قالت إنها أبرمت اتفاقاً مع الأمريكيين، سوف تعلن تفاصيله قريباً، بعد تهديدات أمريكية بفرض رسوم على صادراتها بنسبة 49 %.

والحقيقة أن دول آسيان تخشى من أن يؤدي إبرامها اتفاقات تجارية مع واشنطن، إلى ردود أفعال داخلية عنيفة، وإلى احتكاكات خارجية مع الصين تحديداً، باعتبار أن الأخيرة خصم ومنافس للولايات المتحدة، ناهيك عن أنها أكبر شريك اقتصادي لآسيان.

بعبارة أخرى، هي قلقة من الثمن الذي يجب أن تدفعه لإبرام تلك الاتفاقات داخلياً وخارجياً، وإنْ تباينت الآراء والمواقف بين الأعضاء العشرة لجهة مدى استعدادها لدفع ذلك الثمن.

من المهم هنا الإشارة إلى أن دولاً من التكتل، حاولت جاهدة أن تقايض قيامها بخفض فوائض التجارة مع الولايات المتحدة، بالحصول على رسوم منخفضة على صادراتها، إن لم تنجح المطالبة بإلغائها تماماً.

كما أن دولاً أخرى سوف تحاول أن تتجنب الأسوأ، بتقديم عروض للمفاوض الأمريكي، تشمل معاملات تفضيلية للمستثمرين الأمريكيين، وإزالة جميع العوائق البيروقراطية أمامهم.

وإغراءات بالوصول إلى معادن أساسية ونادرة، وشراء المزيد من المنتجات والسلع والخدمات الأمريكية الزراعية والعسكرية والنفطية (حتى لو كانت تكلفتها أعلى من مثيلها في الأسواق العالمية)، وذلك بهدف خفض فائضها التجاري مع واشنطن.

وهذه الدول تدرك جيداً أنها ضحية التنافس الأمريكي الصيني، الذي لا تملك إزاءه الكثير لتفعله أو تتجنبه، خصوصاً مع تزايد ضبابية الخطوط الفاصلة ما بين التجارة والجغرافيا السياسية. وهي تدرك من جانب آخر، حقيقة أن إدارة ترامب لا تهدف فقط إلى تأمين قطعة أكبر من الكعكة الاقتصادية الآسيوية للولايات المتحدة الأمريكية.

وإنما تهدف في الوقت نفسه إلى تقليص حجم الكعكة التي تتمتع بها الصين، طبقاً لأحد المراقبين. وقد فطن الصينيون إلى هذا، فكانت رسالتهم إلى دول آسيان هي «ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة على أفضل صفقة تجارية ممكنة، ولكن دون الإضرار بمصالح الصين».

يقول واقع الحال الراهن، إن الأسواق الأمريكية لا تزال وجهة تصديرية مهمة لدول آسيان، بدرجات متفاوتة بين أعضائها، وبالتالي، فإن فرض رسوم عالية على منتجاتها، سوف يتسبب في معاناة اقتصادية.

وفقدان الوظائف، وإغلاق المصانع، وانخفاض الأرباح بدرجات متفاوتة أيضاً، خصوصاً إذا ما علمنا أن الرسوم الأمريكية على صادرات هذه الدول، هي من أعلى المعدلات في العالم، وتتراوح ما بين 10 % لسنغافورة، و49 % لكمبوديا مثلاً.

وتمثل إندونيسيا حالة منفصلة، كونها لا تصدر إلى الولايات المتحدة سوى 10 % من صادراتها، بسبب سوقها الاستهلاكية المحلية الكبيرة، وهي بذلك ربما تكون الأقل تضرراً من الرسوم الترامبية.

هذا علماً بأن فائضها التجاري مع الولايات المتحدة في عام 2024، بلغ 124 مليار دولار، وعجزها التجاري مع الصين في العام نفسه، وصل إلى 144 مليار دولار.

ويشتكي المفاوضون المبعوثون من دول آسيان إلى واشنطن للتفاوض حول الرسوم الجمركية، من أن عملية التفاوض مربكة، بسبب تعدد الجهات الأمريكية المفاوضة، وهي مكتب الممثل التجاري، ووزارة التجارة، ووزارة الخزانة، وقيام كل جهة بتقديم مطالب مختلفة، ومتضاربة أحياناً.

وبالتالي، صعوبة تحديد الجهة التي تملك قدرة أكبر على إقناع الرئيس ترامب بالموافقة على صفقة ما. كما يخشى بعضهم من عقد صفقات من دون ضمانات كافية بعدم فرض رسوم خاصة على سلع قد تصنفها الولايات المتحدة على أنها تهدد أو تضعف الأمن القومي الأمريكي.